وحقوق نفسه، وحقوق جسمه، وحقوق ذوي القربى، وحقوق سائر الناس {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدا} [البقرة:143] أي: إن الرسول عليه الصلاة والسلام هو المثال الأكمل لمرتبة الوسط، وإنما تكون هذه الأمة وسطاً باتّباعها له في سيرته وشريعته، وهو القاضي بين الناس فيمن اتّبع سنته ومن ابتدع لنفسه تقاليد أخرى أو حذا حذو المبتدعين، فكما تشهد هذه الأمة على الناس بسيرتها وارتقائها الجسدي والروحي بأنهم قد ضلوا عن القصد، يشهد لها الرسول – بما وافقت فيه سنته وما كان لها من الأسوة الحسنة فيه – بأنها استقامت على صراط الهداية المستقيم، فكأنه قال: إنما يتحقق لكم وصف الوسط إذا حافظتم على العمل بهدي الرسول واستقمتم على سنته، وأما إذا انحرفتم عن هذه الجادة، فالرسول بنفسه ودينه وسيرته حجة عليكم بأنكم لستم من أمته التي وصفها الله في كتابه بهذه الآية، وبقوله: {كُنْتمْ خَيْرَ أمَّةٍ أخْرِجَتْ لِلناَّسِ تأَمُرُونَ بِالْمَعْرُوف وَتنَهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110] إلخ; بل تخرجون بالابتداع من الوسط وتكونون في أحد الطرفين، كما قال الشاعر وقد استشهد به الزمخشري في تفسير الآية:
كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت... بها الحوادث حتى أصبحت طرفا [تفسير المنار(2/6-4) طبعة المنار الثالثة].
وممّن ركّز على الوسطية وتجليتها في عصرنا: الفقيه المفسر العلامة الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر. وممّا قاله في تفسير "الصراط المستقيم" في تفسير سورة الفاتحة، قوله رحمه الله:
"الصراط المستقيم: هو الطريق الذي لا عوج فيه ولا انحراف، وقد كثر كلام المفسّرين في المراد بالصراط المستقيم الذي جعل الله طلب الهداية إليه في هذه السورة أول دعوة علمها الإنسان، وأجمعُ ما نرى في ذلك أن الصراط هو جملة ما يوصل الناس إلى سعادة الدنيا والآخرة من عقائد وآداب وأحكام من جهتي العلم والعمل، وهو سبيل الإسلام الذي ختم الله به الرسالات السماوية، وجعل القرآن دستوره الشامل، ووكل إلى محمد صلى الله عليه وسلم تبليغه وبيانه.