وسط في طريقة التشريع:
وهي في طريقة التشريع ووضع قوانين الحياة وسط: لم تدعُ الناس يشرّعون لأنفسهم في كل شيء، ولم تقيّدهم بتشريع من عندها في كل شيء، بل نصّت وفوّضت: نصّت فيما لا تستقل العقول بإدراكه، كالعبادات زمانا ومكانا، وكيفية ونحو ذلك، وفيما لا تختلف المصلحة فيه باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، كالمواريث وأصول المعاملات من بيع وشراء وتحريم لأكل أموال الناس بالباطل ونحو ذلك، وفوّضت فيما يدرك العقل الخير فيه، وتختلف المصلحة فيه بتغير الأزمنة والأمكنة والأشخاص، ومن هنا وُجد الاجتهاد، وكان من أركان الشريعة الإسلامية حفظ الله به للعقل الإنساني كرامته.
وسط في علاقة الفرد بالجماعة:
وهي في تحديد علاقة الفرد بالجماعة وسط أيضاً: لم تترك الفرد طليقاً يفعل ما يشاء ويترك ما يشاء، ولم تدعه كالوحش في الفلاة يجري ويمرح ويعبث، ويفترس ما يقدر عليه، ويتحكّم فيه الأقوى منه، ولم تلغ شخصه، وتنس استقلاله وتضيّعه في غمار الجماعة لا يعمل إلا لها، ولا يفكر إلا فيها، ولا يعرف لنفسه وجوداً غير وجودها، كأنه جزء من آلة يتحرّك بحركتها ويسكن بسكونها، ولكنها اعتبرته ذا شخصية مستقلة، وفي الوقت نفسه اعتبرته لبنة في بناء المجتمع، فأثبتت له، بالاعتبار الأول، حق الملكية لماله ودمه والهيمنة على نفسه وولده، ومنحته في هذه الدائرة حق التصرف بما يراه خيرا له وسبيلاً لسعادته في حياته، وأوجبت عليه بالاعتبار الثاني، حقاً في نفسه بالخروج للغزو والجهاد في سبيل رد العدوان عن الوطن، وحقاً في ماله بالبذل والإنفاق في سبيل الله، وأوجبت عليه إرشاد الأمة، وأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، وأوجبت عليه أن يعمل لإنجاب النسل الصالح وتكثير سواد الأمة به، فيختار الولود ذات الدين والخُلق، لتقوى بذلك الأمة ويعلو شأنها.