نسائم الإشراق، الحلقة رقم (1777) 31 ديسمبر2021م، 27جمادى الأولى 1443هـ، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد، معالم ومنارات، الشيخ يوسف القرضاوي، الحلقة رقم (51)

وفي مقابل هذه الحقوق التي قررتها الشريعة على الفرد للجماعة، أوجبت على الجماعة للفرد حقوقاً لا سعادة إلا بها:  كفلت له حفظ دمه وماله وعرضه، وشرّعت لحمايته حق القصاص وحق الحدّ والتعزير، وجعلت له حقاً في أن تعينه بمالها إذا افتقر، وبذلك تبادل الفرد والمجتمع الحقوق والواجبات، وجعلت سعادة الحياة منوطة بالتعادل بين الجانبين، وعدم طغيان أحدهما على الآخر، فلو ضن الفرد بنفسه أو ماله أو لسانه على المجتمع ساءت حالته وأدركه الضعف والانحلال، ولو ضن المجتمع بقوّته على الفرد فلم يكفل له سعادته، ولم يحفظه في ماله ونفسه  وعرضه، ولم  يُعنه في حال فقره أو ضعفه، أشقاه وعرضه للهلاك، وبهذا وذاك تصبح الحياة عبئاً ثقيلاً لا يحتمل، بل جحيماً لا تطاق! 

وسط في علاقة الأمة بغيرها من الأمم:

وكذلك كان شأن الشريعة الإسلامية في تحديد علاقة الأمة بغيرها من الأمم، لم ترض للمسلمين بحياة الضّعف والذلة، وأن يكونوا عزلا من القوة ينتظرون حظهم، ويترقبون مصيرهم، وما تقرره الأمم الأخرى في شأنهم، ولم ترض لهم كذلك بحياة الظلم والاستبداد، والفتك بالضعفاء، والاعتداء على الآمنين في أوطانهم وأموالهم ،ولكنها أمرت المسلمين بالاستعداد والتقوّ ي بالعدد والعُدة }وَأعِدوُّا لَهُمْ مَا اسْتطَعْتمْ مِنْ قوَّةٍ وَمِنْ رِباَطِ الْخَيْلِ ترْهِبوُنَ بهِ عَدوَّ اللَّه وَعَدوَّكُمْ} [الأنفال:60] وأمرتهم أن يدعوا إلى الله بالحجّة والبرهان لا بالإلجاء والقهر {لا إِكْرَاهَ فِي الدِينِ قَدْ تبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي ِ} [البقرة:256] أفَأَنْتَ تكْرِهُ الناَّسَ حَتىَّ يَكُونوُا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99].

ونظرت إلى الحرب وأسبابها الداعية إليها والمفضية إلى شبّ  نيرانها نظرة تتفق وغايتها من الصلاح العام والمساواة بين الناس والسير فيهم على سنن العدل والرحمة، فحصرت أسبابها في دائرة معقولة، تتناسب وكونها ضرورة من الضرورات هي: دفع الظلم والعدوان، و إقرار حرية التديّن، والدفاع عن الأوطان، وأن القرآن الكريم ليرشد إلى ذلك في عدة مواضع إذ يقول:

{وَقاَتلِوُا فِي سَبيِلِ اللَّه الذِّينَ يقُاَتلِوُنَكُمْ وَلا تعْتدَوُا إِنَّ اللّه لا يحِبُّ الْمُعْتدِينَ}[البقرة:190].