وممّن أعتبرهم من دعاة الوسطية من علمائنا المُحدثين: العلامة الشيخ محمد الخضر حسين، الذي كان شيخا للأزهر عندما كنا طلاباً. فقد ترك كتباً وآثارا علمية، تشير إليه، وتدلّ عليه، في الأصول والفقه والدعوة، والمشاركة في النهوض بالأمة، وحل مشكلاتها في ضوء الشريعة الإسلامية، التي يراها بحق صالحة لكل زمان ومكان، وقد نُشر عدد منها في حياته تحت عنوان "رسائل الإصلاح".
وقد ردّ على كل متطاول على عقيدة الإسلام أو شريعته أو حضارته، بمنطق العالم الرصين، وإيمان المسلم الملتزم بقرآنه العظيم، وهدى رسوله الكريم، غير غافل عن عصره، ولا عن بيئته، موقناً بأن الفتوى تتغير بتغيّر الزمان والمكان والحال.
وممن ردّ عليهم: الشيخ علي عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم" بكتابه العلمي الأصيل "نقض كتاب: الإسلام وأصول الحكم".
الإمام الشهيد حسن البنا:
ومن أشهر من دعا إلى الإسلام الوسطي، أو الوسطية الإسلامية: الإمام حسن البنا، مؤسس كبرى الحركات الإسلامية، التي كانت تمثل الخطّ الوسط، أو المركز الوسط، بين دعاة الغلو في التحرّر، ودعاة الغلو في الجمود، وبين المفرطين في العقلانية، والمقصرين فيها، من الحرفيين وذوي النزعة الظاهرية، بين المبهورين بأوربا وكل ما يجئ منها، والداعين إلى الفناء فيها، واقتباس حضارتهم بخيرها وشرها، وبين دعاة الانعزال، والاكتفاء بما عندنا، وما ترك الأول للآخر شيئا.
وهو كان مثالا للتوازن والاعتدال في شخصيته، فهو سلفي وصوفي، تراثي وعصري، محافظ ومجدد، داعية وثائر، عابد ومجاهد، أو راهب وفارس، وهكذا يرى الإسلام: عبادة وقيادة، وديناً ودولة، وحقاً وقوة، ومصحفاً وسيفاً. ولهذا جمع منهج الشيخ بين الدين والسياسة، بين العلم والتربية، بين الدعوة والجهاد، بين الفكر والحركة.
وسيأتي مزيد لذلك في الفصل الخامس.