-التصور الخاطئ الثاني ورده:
هناك من المسلمين من يلتبس عليهم مفهوم الوسطية، ولهذا يقفون منه موقف الرافض أو المتردد. ولو اتضح لهم المفهوم جيّدا، وتجلت حقيقته بوضوح، ما تردّدوا في قبوله، والإيمان به، والدعوة به.
ليس معنى الوسطية التساهل في الدين:
هناك بعض الإخوة يفهمون الوسطية على أنها التساهل في أحكام الشرع، أو التهاون في أمر الدين، وإفتاء الناس بالرخص أبدا، وبالأخف دائما، ومجاراة الواقع المتطور، ومجاملة غير المسلمين على حساب الإسلام، وليّ أعناق النصوص، لكي تخفف على الناس، إلخ. ما يقال في هذا المجال. وقد أخذ بعضهم ذلك من قولي: إن الوسطية تتبنّى منهج التيسير أبداً، وترفض منهج التشديد على الناس في عباداتهم ومعاملاتهم وشؤون حياتهم، ومقتضى هذا أن نتساهل في بعض الأمور، ونغضّ الطرف عن التهاون في بعض الأساسيات.
وأودّ أن أبيّن هنا: أنّ هذا ليس من الوسطية في شيء، بل هذا جنوح إلى جانب التقصير والتفريط، وليس التزاما بالوسط.
ومنهج التيسير الذي يلتزم به دعاة الوسطية، ليسوا مخيّرين فيه؛ لأنهم لم يبتدعوه من عند أنفسهم. بل هو منهج الله ورسوله الذي شرعه ودعا إليه في القرآن والسنة، وأما المنهج المضاد له، فهو مخالف لما جاء به الله ورسوله.
ولا يرتاب مسلم يقرأ القرآن في أنه شرّع اليسر، ولم يشرّع العسر، وشرع التخفيف، ولم يشرّع التشديد.
وحسبنا أن نقرأ في ذلك ما جاء في آية الطهارة بعد شرعية ورخصة التيمم
بدلاً عن الماء: {مَا يرِيدُ اللَّه لِيَجْعَلَ عَليْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يرِيدُ لِيطُهِرَكُمْ وَلِيتِمَ نِعْمَتهَ عَليْكُمْ لَعلَكُّمْ تشَكُرُو نَ} [المائدة:6]. ونقرأ في شرعية الصلاة عند الاقتتال والتحام الصفوف: {فإِنْ خِفْتمْ فَرِجَالا} أي راجلين مشاة {أوْرُكْباَنا} [البقرة:239].