وينبغي التذكير هنا بكلمة الإمام النووي في مقدمات "المجموع" الإمام الكبير سفيان بن سعيد الثور ي، الذي انعقدت له الإمامة في الفقه، وفي الحديث، وفي الورع، فقد قال – رضي الله عنه – وما أروع ما قال:
إنما الفقه: الرخصة من الثقة، أما التشديد فيه: فيحسنه كل أحد!
ولا بد أن نلحظ قوله: الرخصة من ثقة، وهو من يوثق بفقهه ودينه معا، أما من فقد الأمرين أو أحدهما، فهو يترخص فيما لا يجوز فيه، فيصادم القواطع والمحكمات من نصوص الشرع وقواعده، وهو ما لا يقبله مسلم حريص على دينه.
- - تقديم الأيسر على الأحوط في زماننا:
وإذا كان التيسير مطلوباً دائماً، كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو ألزم ما يطلب في عصرنا هذا؛ نظراً لرقّة الدين في أنفس الكثيرين، وغلبة النزعات المادية، وتأثر المسلمين بغيرهم من الأمم، نتيجة لشدة اتصال بين العالم بعضه ببعض، ولم يعد في استطاعة أحد أن يعيش في عزلة عن غيره، وأجهزة الإعلام تقتحم عليه داره، وتريه ما يجري في أقصى أطراف العالم، وخصوصا اليوم بعد ما عرف باسم: "البث المباشر".
وهذا ما عبر عنه علماؤنا في العصور المتأخرة ب"تغير الزمان"، أو"فساد الزمان" وجعلوه سبباً من أسباب تغيّر الفتوى، كما ذكر العلامة ابن عابدين وغيره.