فقد قال ابن عابدين في رسالته "نشر العرف فيما بني من الأحكام على العُرف": "إن كثيراً من الأحكام تختلف باختلاف الزمان: لتغيّر عرف أهله، أو لحدوث ضرورة، أو لفساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولاً ً: للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير، ودفع الضرر والفساد".
والمنهج الذي أراه – وهو منهجي الذي وفقني الله للالتزام به من قديم: في الفتوى والتأليف والتدريس – هو: التيسير في الفروع، والتشديد في الأصول.
فإذا كانت هناك وجهتا نظر، أو قولان متكافئان أو متقاربان في قضية، أحدهما أحوط، والآخر أيسر، فينبغي أن نختار في الفتوى لجماهير الناس: الأيسر لا الأحوط.
والحجة في هذا: ما قالته عائشة، رضي الله عنها: "ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثما".
وقوله صلى الله عليه وسلم فيمن أطال بالناس في الصلاة: "أيّها الناس، إن منكم منفرين، فأيّكم أم النّاس فليوجز، فإن فيهم الكبير، والضعيف، وذا الحاجة".
فأشار إلى ضرورة رعاية ظروف الناس، والتخفيف عنهم، وخصوصا الضعفاء منهم. ولهذا قيل في السفر: سيروا بسير أضعفكم، إذ لا يجوز أن يسرع الأقوياء، ويدعوا الضعفاء منقطعين عن الركب، ولا راعي لهم.