في تقرير أعده "أحمد الهواس" ونشره موقع الجزيرة نت اليوم الثلاثاء، يكشف بعضا من المآسي والمعضلات التي تعرضت لها الأسر المسلمة في ألمانيا، خاصة المهاجرين منهم، وهي صورة مصغرة لما تلاقيه الأسر المسلمة في البلاد الغربية عموما، وما خفي أعظم.
وإليكم نص التقرير:
الأحوال الشخصية في القانون الألماني.. هل ساهمت في تفكيك الأسر المسلمة المهاجرة؟
برلين- فرضت حالة اللجوء القسري على اللاجئ العربي المسلم التعامل مع القوانين الألمانية على كافة المستويات، وهذا أمر إيجابي من حيث إن هذه القوانين الألمانية لا تفرق بين مواطن ومقيم.
لكن ثمة مشكلات تواجه اللاجئين، ومنها قوانين الأسرة التي تختلف عن الأحوال الشخصية المعمول بها في البلاد العربية والمستمدة من الشريعة الإسلامية، وكذلك مراعاة الدول العربية للأحوال الشخصية لغير المسلمين.
التباين في قوانين الأسرة والأحوال الشخصية
تختلف وتتباين منظومة القوانين من بلد لآخر، وهذا يعكس القيم الخاصة بالمجتمع والدولة التي تؤطرها القوانين الوضعية والديانة أو المذهب في هذا البلد أو ذاك، لذا فإن قانون الأسرة الخاص بالدول العربية يعرف عددا كبيرا من الخصائص المميزة للثقافة العدلية رسخت فيه بعمق.
لكن الاختلافات كبيرة بين اللوائح والتنظيمات في قانون الأسرة الألماني ونظيراتها الخاصة بالدول العربية، مثل أسباب الطلاق التي تتسم بالطابع القانوني الإسلامي، والطلاق الشرعي، وعقد الزواج وفسخه أمام المحاكم الشرعية، إضافة إلى النظام الشرعي الإسلامي الخاص بالمهر، وغير ذلك.
فالمتزوجون المقيمون في ألمانيا كألمان عرب أو عرب فقط، والذين عقدوا زواجهم تبعا لإجراءات قوانين الزواج الخاصة بالدول العربية، ويريدون الطلاق، يقفون أمام سؤال محير: تحت أي قانون تخضع تلك الإجراءات؟! ومعها المسائل المترتبة عليها، والمرتبطة بها، مثل: النفقة، وقانون المتاع، والأغراض التابعة للزوجية، وعند وجود أطفال: قانون حق الرعاية والتربية، وقانون حق الاتصال؟! فضلا عن إجراءات الطلاق نفسها.
لأي قانون أسرة يخضع المقيم في ألمانيا؟
لا تنتهي مشكلات اللاجئين عند اللغة والاندماج ولمّ الشمل والدخول لسوق العمل، بل ثمة مشكلات أخرى وجد اللاجئ المسلم نفسه في مواجهتها، وفي مقدمتها قانون الأسرة.
فالدول العربية على سبيل المثال، تعطي المواطنين غير المسلمين حق التحاكم في قضايا الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وإرث لما ورد في أديانهم أو طوائفهم، في حين يجد اللاجئ أو المقيم أو ممن يتمتع بالجنسية الألمانية أنه يخضع لقوانين الأسرة الألمانية التي توسم بأنها قوانين مدنية وضعية.
هل باتت الأسرة المسلمة مهددة بالتفكك في ألمانيا؟
القوانين المعمول بها في ألمانيا والتي يخضع لها الجميع، ومنها قانون الأسرة، تخالف الشريعة الإسلامية في كثير من المبادئ، ومنها -على سبيل المثال- أنها تعتمد مبدأ المساواة في الإرث، وكذلك لا تعترف بنشوز الزوجة بل تعطي المرأة ميزات أغرت كثيرا من النساء المهاجرات بالتمرد على أزواجهن تحت بند حماية المرأة، مما هدد بتفكك الأسرة المسلمة المهاجرة، بحسب ما يرى منتقدون.
وقال المحامي عبد الرزاق الزرزور -في حديثه للجزيرة نت- إن "جلّ المشاكل في الأسر الإسلامية في ألمانيا بسبب تمرد النساء على القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية، لشعورهن بالحماية الزائفة، مما هدد بتفكك هذه الأسر".
ويضيف: "أسوأ ما يواجه اللاجئ بشكل عام واللاجئ المسلم في ألمانيا، هو المشاكل القانونية المتعلقة بأحكام الأسرة وقضايا الأحوال الشخصية، حيث تصرّ المحاكم الألمانية على اعتبار القانون الألماني العلماني واجب التطبيق في قضايا الزواج والطلاق والبنوة والإرث والحضانة والولاية".
قصص مؤلمة
ويروي محمد التركي قصته للجزيرة نت، وهو يعيش في ألمانيا منذ 36 عاما ويحمل جنسيتها، وقد تزوج من امرأة سورية عام 2006، ورزق منها 5 أطفال، هم 4 بنات وولد، إلا أن خلافا حصل بينه وبين زوجته عام 2017 وتوسع بلجوئها للمحكمة، فتم تطليقها دون رغبة منه، ودون أن ينطق كلمة الطلاق على حد قوله.
ويضيف التركي: "بعد الطلاق ذهبت لتعيش وأطفالها في مدينة أخرى، ولا يسمح لي برؤية أطفالي، وقد حاولت بشتى الوسائل أن أصلح ذات البين أو أستعيد حضانة أولادي، وآخر مرة سمح لي برؤيتهم كان قبل سنتين، ولم يسمح لي بعد ذلك بزيارتهم".
قصص كثيرة هنا في ألمانيا، منها ما رواه المهندس جلال للجزيرة نت "جاءت زوجتي وأطفالي إلى ألمانيا نهاية عام 2015 في موجة اللجوء، وبقيت في تركيا منتظرا لمّ الشمل لأكثر من سنة ونصف، وكانت ترسل لي في كل شهر مبلغا من المال".
ويضيف: "تمكنت من الوصول إلى ألمانيا بمساعدتها لي ماديا بعد أن تعرقل لمّ الشمل، وفوجئت بأن زوجتي التي كانت ملتزمة بالملابس الإسلامية، قد نزعت الحجاب. وحين طلبت منها أن تعود إلى ما كانت عليه رفضت، ثم لجأت للمحكمة، وتم لها الطلاق، وبعد مدة تزوجت من رجل آخر، وبقي أولادي معها".
الاندماج يعني غياب المحاكم الشرعية!
ثمة مشكلة عامة لدى الأسرة في أوروبا قبل أن نتحدث عن الأسرة المسلمة المهاجرة، فالزواج أصبح للمساكنة وليس لبناء أسرة. موجة اللاجئين في أساسها كانت لوقف التدهور السكاني في ألمانيا بسبب تفكك الأسر.
هكذا أجاب المحامي هيثم المالح عن سؤال الجزيرة نت عن مشكلات الأسرة المسلمة في ألمانيا في خضوعها لقوانين الأسرة الألمانية، مؤكدا أن "القضاء الألماني لا يعترف بالمحاكم الشرعية، ولذلك لن نرى قضاء شرعيا خاصا بالمسلمين، بل هم يعملون على دمج اللاجئين، والاندماج في واقعه يعني التخلي عن الأسس الشرعية التي بنيت عليها الأسرة الإسلامية".
فضلًا عن أن عددا من اللاجئين -للأسف- وجدوا ضالتهم في قوانين الأسرة الألمانية، "فرأينا حالات طلاق كثيرة وتنمر نساء على أزواجهن، أو عقوق الأولاد لوالديهم، وكل ذلك يفسر تحت بند الحرية، بغض النظر عن انعكاس ذلك على الأسرة المسلمة"، كما يقول المالح. قانون الميراث وإشكالاته؟
كما يختلف قانون الميراث الألماني اختلافا جوهريا عن الميراث الإسلامي، إذ ينص على انتقال تركة المتوفى إلى الورثة مباشرة. ولكن منذ تاريخ 17 أغسطس/آب 2015، دخلت الاتفاقية الأوروبية رقم (2012/650) حيز التنفيذ، والتي يتم بموجبها تحديد أي من قوانين الميراث الدولية يجدر تطبيقه لتوزيع "تركة ما" عند وفاة المورث.
فعلى سبيل المثال، إذا كان المورث ألمانيا يتم تطبيق القانون الألماني (حتى لو كان مقيما في أي بلد عربي) وهو ما تم تعديله بموجب الاتفاقية الأوروبية لقانون الميراث (بحسب المادة 21)، إذ أصبحت جميع مسائل الميراث القانونية تحتكم إلى قانون الدولة التي كان يقيم فيها المورث ساعة وفاته.
ومحل الإقامة المعتاد هو المكان الذي يقيم فيه شخص ما في ظروف معينة تثبت أن الإقامة في هذا الموقع هي إقامة دائمة غير مؤقتة. ويندرج تحت مصطلح -محل الإقامة المعتادة- أن تكون مدة الإقامة متواصلة غير متقطعة لأكثر من 6 أشهر، في حين لا يؤثر السفر المؤقت إلى الخارج لمدة قصيرة على مفهوم محل الإقامة المعتاد الخاص بالفرد.