1- حقيقة "ملف فساد العشرية": قليلون هم الذين يتساءلون اليوم عن حقيقة "ملف فساد العشرية" بعد ما ملأ الدنيا وشغل الناس ردحا من الزمن! فلقد أصبح الجميع مطلعا على كنه تلك اللعبة السياسية الفريدة من نوعها في تاريخنا، وملما بجميع أسبابها وأبعادها. ويعود الفضل في كثير من هذا الاطلاع، ومن الاقتناع الناجم عنه، إلى أداء جهتين رئيسيتين (تذكران فتشكران) هما السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، بما أظهرتا من انحياز واضح، وقصر نظر خلال تعاملهما مع هذا "الملف".
ولمزيد من الشرح والتوضيح، وحتى لا يبقى شاك، فسأبين للمتلقي الكريم أن "ملف فساد العشرية" ما هو إلا كذبة سياسية كبرى، ومؤامرة ومكيدة، ومسرحية سيئة الإخراج. وليس ملفا قضائيا على الإطلاق. ويتجلى ذلك من سماته الجوهرية التالية:
- إنه وليد فتنة المرجعية المشؤومة؛ وهي فتنة سياسية مشهودة وواضحة الأهداف والمعالم والأبطال. ولم يشتهر دعاتها قط بمحاربة الفساد والورع عن المال العام. و"البعرة تدل على البعير، والآثار تدل على المسير"!
- إن هدفه الوحيد هو الانتقام من رئيس وطني: كافح الفساد، وبنى البلاد، وغاث العباد، وغسل عار التطبيع بطرد إسرائيل صاغرة من موريتانيا ومن منظمة الاتحاد الإفريقي، وتخلى طوعا عن السلطة احتراما للدستور ووفاء بيمينه! وكلها سياسات ومواقف وطنية يمقتها المفسدون والمستعمرون والصهاينة! وإلا، فلماذا يستهدف وحده بالباطل دون غيره من المتهمين ظلما في هذا "الملف" ومن المفسدين الحقيقيين القدماء والجدد الذين يسرحون ويمرحون؟ ومن المستفيد من هذه الجريمة؟
- إن له أهدافا سياسية ثلاثة كبرى تصب جميعا في معاداة الوطن والخير والحق وهي:
أ. الانقلاب على النهج الوطني عن طريق الوقيعة بين قائديه: الرئيس السابق والرئيس الحالي، وبين الأغلبية الحاكمة، وتشتيت شملها، والقضاء عليها، وعلى نظامها الوطني والنكوص بالبلاد إلى درك الفساد والتخلف.
ب. تلطيخ سمعة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وتصفيته جسديا؛ بصفته رائد وقائد الوطنية والإصلاح في موريتانيا.
ج. إلهاء الشعب بفساد وهمي، عن فساد ونهب حقيقين لا مثيل لهما؛ وعن الالتفاف على جميع مكاسبه ومصالحه من حرية وديمقراطية وبناء وسياسات اجتماعية.
- إنه ملفق. من ثلاثة عناصر واهية:
أ. شائعات وإفك الذباب الإلكتروني متعدد الولاءات.
ب. تقرير لجنة التحقيق البرلمانية الباطلة الذي لم تعثر فيه على فعل مُجَرَّم عموما، ولم توجه فيه أي اتهام للرئيس السابق؛ خلافا لما يدعيه ويروجه المبطلون! (وما يزال هذا التقرير، لذلك السبب، محجوبا عن قطب التحقيق وعن الدفاع إلى يومنا هذا)!
ج. البحث الابتدائي البوليسي الموجه الفارغ.
- إنه غُيّب فيه القانون، مع العلم بأن محاربة الفساد لا تتأتى بالفساد والظلم والفوضى. فشرط النهايات تصحيح البدايات. والدولة تستقيم على الكفر ولا تستقيم على الظلم. والقانون هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب، ويجب أن يخضع له الجميع. حسب ما نصت عليه المادة 4 من الدستور. فلقد تم التواطؤ خلال جميع مراحل هذا الملف على انتهاك نصوص الدستور المتعلقة به، وخرق جميع القوانين الموضوعية والإجرائية المنطبقة عليه! واتبعت فيه أساليب تتعارض تماما مع مبادئ الإنصاف والحياد والتجرد وحسن سير العدالة!
فمثلا:
* انتهك الدستور في جميع مواده المتعلقة بفصل السلطات وتنظيم العلاقة بينها، وبصيانة الحريات والحقوق؛ وخاصة مواده 4، 13، 15، 72، 89، 90، 91، 93. وخرق القانون العقاري ومدونة الحقوق العينية، وخرقت كذلك المواد 105، 123، 124، 138، 139 وغيرها من قانون الإجراءات الجنائية، والمرسوم رقم 70/153 المنظم للسجون، والمادة 36 من قانون المحاماة، كما خرق قانون مكافحة الفساد وتم التدليس في المادة 18 منه بتطبيقها في غير محلها.
* في ملف "قضائي" بهذا الحجم وهذه الأهمية، تمت إقالة وزير عدل قانوني تشبث بالقانون وأبى أن يحيد عنه، وجيء بوزير سياسي مكانه!
* في ملف "قضائي" بهذا الحجم وهذه الأهمية، أقصي المدعي العام عن تسييره، باعترافه، وأطلق العنان لوكيل الجمهورية.
* في ملف "قضائي" بهذا الحجم وهذه الأهمية، استبعد جميع القضاة ذوي الخبرة والتجربة في المجال، وجيء بقضاة شباب يتبعون طلبات النيابة ولا يعبؤون بالدفاع.
* في ملف "قضائي" بهذا الحجم وهذه الأهمية، عمل لأول مرة في تاريخ القضاء الموريتاني بقانوني الأدلة السرية والمساومة القضائية المعمول بهما في أمريكا وإسرائيل؛ والمخالفين للقانون الموريتاني ولقوانين الدول التي تأخذ بنظام القانون المدني، لأنهما يقيضان الحق في محاكمة عادلة؛ فقد منع المتهم ودفاعه من الاطلاع على ملف اتهامه بقرار قضائي أكدته جميع درجات التقاضي؛ بما فيها المحكمة العليا، رغم وجود قرار لها مخالف لذلك، ورغم مخالفته لصريح القانون، ولما درجت عليه المحاكم الموريتانية! وجرت مساومات قضائية مع "مشتبه فيهم" تحت الضغط والتهديد والإكراه دون وجود ضمانات الشفافية التي لا غنى عنها في تلك المساومات، ولا مجال للحديث عنها في غياب القضاء والدفاع!
* في ملف "قضائي" بهذا الحجم وهذه الأهمية، صدرت جميع الأوامر والقرارات القضائية مخالفة للقانون ومطابقة لطلبات النيابة دون استثناء واحد.
* في ملف "قضائي" بهذا الحجم وهذه الأهمية، تم انتزاع الملف مرتين من رئيس الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا ومنع من البت فيه. في المرة الأولى وضع الرئيس على لائحة القضاة المستفيدين من العطلة في الفوج الأول، والملف بين يديه؛ وفي المرة الثانية استبلغت النيابة العامة الملف على عجل بعد أن صار في عهدة المحكمة وهي تعقد جلستها، وحوّل رئيسها دون طلب منه، ودون أن يكون تحويله تأديبا؛ وحل محله نفس القاضي الذي بت في الملف أثناء فترة عطلته بما ينسجم مع طلبات النيابة.
* في ملف "قضائي" بهذا الحجم وهذه الأهمية، حول المجلس الأعلى للقضاء جل القضاة إلا القائمين على ذلك "الملف" ما عدا رئيس الغرفة الجنائية في المحكمة العليا المشكوك في ولائه للباطل!
* في ملف "قضائي" بهذا الحجم وهذه الأهمية، عجزت سلطة الاتهام عن تقديم أي بينة على دعاواها المجردة! اللهم إلا ما كان من:
- شهادة "لفيف" دفاعها الستين (60) بقيادة الشيخ والقاضي الفاضل والمحامي فاضلي ولد محمد ولد الرايس،
- شائعات الذباب الالكتروني متعدد الولاءات،
- مصادرة أموال الغير المملوكة بسندات رسمية قطعية، وادعاء ملكيتها بالباطل من طرف الرئيس محمد ولد عبد العزيز، والتصريح بذلك علنا في مؤتمر صحفي مخالف للقانون،
- التشبث بقول المتهم إنه غني دون أن تعثر على رابطة سببية بين غناه وبين ما تتهمه به، والغنى ليس جريمة. والبينة على المدعي! وكأنهم لم يسمعوا في حياتهم أن:
القول دعوى، وفعل المرء بينة ** ولا سماع لدعوى دون بينة
وكم دعاوى على الإنسان هينة ** تطلبــت بينـــات غيــر هينة.
وكان الرجل قد تحداهم جميعا، دونما استثناء، أن يثبتوا وجود اختلاس له به علاقة في مؤسسة ما من مؤسسات الدولة، أو ارتشاء ما.. فعجزوا! وكأنه ينشد قول المتنبي في صديقه:
كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم ** ويكره الله ما تأتون والكرم!