4 - التيسير فيما تعم به البلوى:
ومن أهم ما ينبغي التيسير فيه: ما تعم به البلوى من أمور العبادات والمعاملات. فإن ما عمّت به البلوى يدل كثرة وقوعه والابتلاء به على شدة حاجة الناس. وهذا يقتضي أن ييسّر عليهم فيه، فإن الشرع قد جاء لتحقيق لهم مصالحهم ويدرأ المفاسد عنهم بقدر الإمكان.
أ – فإذا كان هناك بعض المذاهب: شدد في شئون الطهارة مثلا، كمذهب الإمام الشافعي – رضي الله عنه – فليس هناك موجب لإلزام الناس به، لما قد يترتب عليه الحرج عند جماهير المسلمين وخصوصاً في الريف والقرى.
فلا غرو أن يتجه الفقيه إلى مذهب مالك ومن وافقه: في القول بأن كل ما يُؤكل لحمه فبوله وروثه طاهر، وأن الماء لا ينجّس إلا بالتغيّر، وهذا ما ر جّحه وأفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية، وعضّده بالأدلة. وهو ما نعلمه ونفتي به الناس.
وقد قال الإمام الغزالي، في كتاب "الطهارة" من "الإحياء" عن الشافعي: كنت أود أن يكون مذهبه في المياه كمذهب مالك، وساق سبعة أوجه لتأييد مالك هذا وهو شافعي المذهب، رضي الله عن الجميع .
بل نجد الإمام الشوكاني في "السيل الجرار( ضيق في "النجاسات" إلى أبعد حد، وهذا هو الأليق بالتيسير .
ومثل ذلك ما قاله الغزالي عن البيع بالمعاطاة. أي بغير لفظ الإيجاب والقبول، وهو ما يجري عليه عمل المسلمين في كل مكان، وفي سائر العصور وقول الشافعي فيه شديد، والبلوى به عامة.
فعلى الفقيه: أن يعمل على تصحيح معاملات المسلمين من داخل الفقه ومصادر الشريعة وقواعدها ما وجد إلى ذلك سبيلاً. وهذا ما يلمسه الدارس لدى كثير من علماء الفقه في المذاهب المختلفة، ولاسيما في الأعصر الأخيرة، فهم يحاولون أن يلتمسوا مخرجاً لتصحيح التعامل، إما بتكييفه تكييفاً يجعل له مستنداً من الشرع، أو بحيلة فقهية، أو باللجوء إلى قول مهجور أو ضعيف في المذهب، أو بإجازة تقليد مذهب آخر.
وكثيراً ما يكون الضيق والحرج: ناشئاً من التقيّد بمذهب معين، ولو تحرّروا منه إلى باحة المذاهب الأخرى المتبوعة وغير المتبوعة،وأقوال الصحابة والسلف،والى النصوص والقواعد العامة: لوجدوا في باحتها الفسيحة ما يخرجهم من الضيق إلى السعة، ومن العسر إلى اليسر.
ومن الكلمات التي لها دلالتها: ما أثر عن السابقين – في ترجيح العمل ببعض الأقوال – قولهم: هذا أرفق بالناس.