ربما تكون أزمتا حقوق الإنسان الأكثر فظاعة التي تتكشف حاليًا في العالم هي أوضاع الإيغور في الصين والروهنجيا في ميانمار، وقد أعلنت الولايات المتحدة أن ما يحدث للإيغور في الصين هو إبادة جماعية، ولكنها تقاوم وصف ما يحدث للروهنجيا بأنه إبادة جماعية، لماذا؟
مؤكداً أن الأزمتين غير متطابقتين تماماً، ولكن كلتاهما تؤثر على الأقليات المسلمة في المناطق الحدودية الغربية لبلديهما، ولكن نهج الدولتين تجاه هذه الشعوب يختلف اختلافًا كبيرًا، فالصين تريد الاحتفاظ بأفراد من الإيغور داخل البلاد، لكنها تمحو هويتهم الإيغورية وتصنفهم ضمن الأغلبية الصينية الهانية، بل إنها تحتجز الأفراد لمنعهم من الفرار من البلاد ومن معسكرات إعادة التأهيل التابعة للحزب الشيوعي الصيني، وفي المقابل، قامت ميانمار بالفعل بإجلاء أكثر من مليون فرد من الروهنجيا من البلاد بالقوة –وهؤلاء يشكلون الغالبية العظمى من أعداد الروهنجيا- وليس لديها نية لاستيعاب أي من أولئك الذين بقوا في مخيمات اللاجئين الداخلية في المجتمع البورمي الأوسع.
يمكن للمرء أن يجادل بأن النهج الصيني أكثر دقة، وبالنظر إلى الموارد التي تضخها الدولة الصينية في المشروع، ربما يكون من المرجح أن تنجح على المدى الطويل، لكن لا أحد يستطيع أن يجادل في أن النهج الذي تتبعه ميانمار ليس أكثر عنفًا بكثير، فالإيغور لديهم خيار الامتثال أو التظاهر بالامتثال للقيود المجنونة التي يفرضها عليهم الحزب الشيوعي، هذا الخيار الذي لم يمنح لعشرات الآلاف من الروهنجيا، بل تعرضوا للتعذيب الوحشي والاغتصاب والقتل من أجل تخويف بقية أفراد شعبهم ودفعهم إلى الفرار من البلاد.
فلماذا أعلنت الولايات المتحدة أن وضع الإيغور يعتبر إبادة جماعية، ولكن لم تعلن هذا بالنسبة للروهنجيا أيضًا؟ التناقض في الوقت الحالي ليس له علاقة بالوقائع ذات الصلة في الحالتين وكل ما له علاقة بالسياسة.
وبناءً على الأدلة المتاحة، فإن ما يفعله الحزب الشيوعي الصيني تجاه الإيغور هو نوع من الإبادة الجماعية، وهذا استنتاج توصلت إليه دول أخرى والعديد من المراقبين الدوليين المستقلين، ويبدو أن احتجاجات بكين على أن إعلان الإبادة الجماعية في يناير الماضي كان بمثابة ضربة سياسية ساخرة من قبل إدارة منتهية ولايتها تهدف إلى تسميم العلاقات الأمريكية الصينية قبل تولي جو بايدن منصبه، لكن هذا لا يغير حقيقة أن الصين كانت ولا تزال ترتكب إبادة جماعية ضد إحدى أقلياتها العرقية، إن تحديد الإبادة الجماعية التي تلوثت بالسياسة أمر مؤسف، لكن هذا لا يجعله أقل صحة.
وقد أيدت إدارة بايدن قرار الإبادة الجماعية ضد الصين بسبب معاملتها للإيغور، وهذا صواب لا شك فيه، لكن السؤال المطروح الآن هو: لماذا تقاوم الولايات المتحدة، حتى في عهد الرئيس بايدن ووزير الخارجية أنطوني بلينكن، الدعوات الكثيرة لاتخاذ نفس القرار ضد ميانمار بسبب معاملتها للروهنجيا؟
في السابق، ربما كانوا يخشون أن يؤدي اتخاذ مثل هذا القرار إلى تقويض الحكومة المدنية لأونج سان سو كي التي كانت تصارع من أجل السيطرة على جيش البلاد، الذي كان ينفذ الإبادة الجماعية من تلقاء نفسه، ولكن منذ الانقلاب العسكري في ميانمار في فبراير الماضي، قام نفس الأشخاص الذين نفذوا "عمليات التطهير" ضد الروهنجيا في عام 2016-2017م بتولي زمام الحكومة بالقوة، واعتقلوا قادة الحكومة المدنية المنتخبة ديمقراطياً، وشنوا حربًا على جميع السكان المدنيين تقريبًا لفرض مطالبتهم بالمناصب السياسية.
لا يوجد أي مبرر تقني أو واقعي أو سياسي لإدارة تقول صراحة: إنها تكرس نفسها لحقوق الإنسان والقانون الدولي، للتقاعس عن هذه القضية، على الولايات المتحدة أن تعلن أن ما يحدث للروهنجيا إبادة جماعية، وفقًا للوقائع.
مجلة المجتمع الكويتية