كناش الجمعة كان، .. يا ما كان/ د. غلام محمد مني

ذات يوم كان المعلم 

عنوانا للوجاهة الاجتماعية ومحط اعتبار الجميع ...
دون النظر إلى لبسه أو نعله  فلم يكن المجتمع بعد قد ارتدى النظارة الكاشفة لما في الجيب من نقود ..
كان المعلم أيضا نموذجا فريدا للإنسان القدوة .. المتزن المتعدد   المعارف شاعرا لغويا حاضر البديهة ثاقب الذكاء ..
كان الطيب ولد ديدي بنبوغه وفرادة مواهبه مجرد معلم ..
كان الراحل المصطفى ول بدر الدين بشخصيته الفذة وثقافته الموسوعية مجرد معلم ..
وقد تستحوذ اللائحة على جيل كامل من قادة التأسيس ..
نبت جيل من النابهين في ظلال جيل من المعلمين الأفذاذ ..
مع كل ذلك كانت الإمكانيات شديدة التواضع.. وكان حصول التلميذ على دفترين من نوع 32 صفحة وقلما ، بمثابة تجهيز نوعي له وكانت غالبية الأطفال التلاميذ تتضور جوعا أثناء الدوام فالمجتمع خارج لتوه من دورة جفاف غير مسبوقة في ضراوتها أتت على الأخضر واليابس وخلفت مجتمعا منكوبا تسوده الفاقة 
في المساء وعندما يرتدي  الليل معطفه الاسود يتحلق الأطفال على المصباح البترولي والذي تنبعث منه أدخنة سوداء ذات رائحة كريهة ، لإنجاز الواجبات المدرسية ..
وكان الطفل ايضا خادم البيت يشارك اهله مشاق الحياة وأعبائها..
بعد ذلك حدث تطور بسيط في حياة الناس فقد مدت دولة العراق الكريمة يدها لكهربة مقاطعتي السبخة والميناء حيث الطبقة الوسطى وقتها من المجتمع..وحيث أصبحت ظاهرة المراجعة تحت أعمدة الكهرباء العمومية ظاهرة لا تلفت نظر أحد ..
أما اليوم فقد تغيرت أشياء كثيرة في حياة المجتمع.. أصبحت حقيبة الطفل تعج بمختلف المعدات بدء بالحاسبة مرورا بحافظة الأقلام والدفاتر الفاخرة المغلفة ابلاستيكيا..
والطفل نفسه أصبح خلقا آخر فلا تعنيف ولا توبيخ طبقا لنظريات علم النفس الطارئة على ثقافة المجتمع..أما ضربه تأديبا فتلك جريمة تصطك منها الأسماع وقد يصل صداها ل " انطونيو غورتيش " الامين العام للأمم المتحدة
اما أعمال المنزل فقد اوكلت لخادم منزلي ..
وذلك لإفساح المجال للسيدة البدانة التي حولت الطفل من كائن وديع إلى حيوان قادم من كوكب آخر 
هذا فضلا عن وضع التلميذ في بيئة دراسية  سخية تعطيه كل شيئ بحركة من أصبعه الكسول على محرك البحث في الإنترنت   ..
وفي كثير من الحالات أصبحت لديه  غرفة خاصة بالمراجعة تتميز بالهدوء وفضلا عن ذلك وضع تحت تصرفه المدرس  الخصوصي  والمدرسة الخصوصية ..
والمصروف الباذخ .. 
ومع ذلك كله كان جيل السبعينات والثمانينات - رغم ظروفه الصعبة -   جيل التفوق والجدية والنبوغ دون خلاف
فلماذا ترى ؟