فالمنهج الوسطي يقتضي أن تضع اللين في موضعه، والشدّة في موضعها، ومن فعل غير ذلك تعرّض للذم، كما قال أبو الطيب:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضعْ الندى!
على أننا إذا تساهلنا في تسمية مثل هذه المواقف "خروجا عن الوسطية" فهذا لا يقدح في اتخاذ الوسطية منهجا. إذ يجوز الخروج المؤقت عن الوسطية لعلة تزول بزوالها، بناء على أن الفقيه أو الداعية أو المربّي أو المفكّر الوسطي، قد تدفعه الضرورة أو الحاجة في بعض الأحيان أو بعض المواقف إلى الخروج عن الحد الوسط مؤقتا، لمواجهة ظرف طارئ، أو حدث كبير، أو لعلاج انحراف من الانحرافات واقع أو متوقع، أو للوقاية منه. وللضرورات حكمها، وقد تنزل الحاجة منزلة الضرورة، ولاسيما إذا كانت عامة. ولكن ما رخّص به من أجل الضرورة يجب أن يقدّر بقدرها، ولا يتوسّع فيه، حتى لا يصبح النزول على حكم الضرورة قاعدة أو أصلا يقاس عليه، بل هذا استثناء يحفظ ولا يقاس عليه.