ويسّرني أن أنقل هنا من كتاب أخينا الشاب النابه، د. نوّار بن الشلي "فقه التوسط" [كتاب الأمة. العدد 129 المحرم 1430هـ.] هذه الفقرة التي توضح هذا المعنى الذي نبّهت عليه. قال تحت عنوان:
"الخروج عن سنن الوسط مقدور بقدره":
"نعني بهذه القاعدة أن تخلف الوسطية في بعض الأحكام أو الحالات، لسبب يقتضي ذلك، ينبغي أن يقدّر بقدره، وأن يكون من قبيل الاضطرار الذي يستباح فيه الممنوع، حتى إذا مازال العذر وانقضى سببه، وجب أن يزول ما ترتب عليه، وحينئذ لزم العود إلى الاعتدال والتوسط.. فقد جعل الله هذه الأمّة "أمّة الوسط"، وأمرها بالاستقامة على الشريعة، وملازمة الصراط المستقيم {وَلا تمُوتنُّ إِلاَّ وَ أنْتمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
وقد اقتضت حكمة الله أن تكون أحكام هذه الشريعة عالمية موجّهة إلى الناس كافة، وهذا ما اقتضى أن تكون الأحكام الواردة فيها محققة لهذه الأسس والسّمات، ليتم انطباق الكلية على أجزائها، وتتحد الأفراد المتجانسة ليصاغ منها الكلي المراد. وإن تحقيق هذه الأوصاف عالمية التشريع – والاستقامة على الشريعة – لتحقيق أمّة الوسط – هو ما يستدعي الاطراد في الأحكام والتتابع فيها، والاستمرار في العمل بها والاحتكام إليها، من غير زيادة أو نقصان، وقد ظهر هذا المعنى جليا حين أراد بعض الصحابة أن تستثنى المرأة المخزومية التي سرقت من أن يطبّق عليها الحد، فغضب لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، مبيّنا لهم أنّ لا فرق بين الشريف والوضيع في امتثال الحكم الشرعي،[رواه الجماعة: البخاري (6788)، ومسلم (1688) كلاهما في الحدود،وأحمد في المسند (25297)، وأبو داود في الحدود (4373)، والترمذي في الحدود(1430)، والنسائي في قطع السارق (4899)، وابن ماجه في الحدود (2547) عن عائشة].
[أحمد الريسوني"نظرية التقريب والتغليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلامية" ص. 171، ط الأولى، مطبعة مصعب 1994م].