بين المثالية والواقعية:
كما أن على الداعية البصير أن يأخذ الناس بالمنهج الوسط بين المثالية والواقعية، فلا يُعيّش الناس في المثاليات المجنّحة، التي تحلق بأجنحة الخيال، بعيدا عن واقع الناس، وضروراتهم البشرية، ويتعامل مع الناس كأنهم ملائكة ألو أجنحة مثنى وثلاث ورباع، لا على أنهم بشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق. لهم غرائزهم وشهواتهم، كما لهم عقولهم وبصائرهم، لهم أهواؤهم وشياطينهم، كما لهم ملائكتهم وملهموهم الخير. فالإنسان طين وروح، وإنسان وحيوان، وملاك وشيطان.
فعلينا أن ننمّي ما فيه من خير، ونقلم أظافر ما فيه من شر. علينا أن نناصر الملك الذي فيه، ونحارب الشيطان الذي بداخله. إذا فعل خيرا حمدنا الله عليه، وشجّعناه على المزيد، ولا نغرّه فيطغى، واذا اقترف شرا، حثيناه على التوبة، واذا تباطأ عن التوبة لم نقنط منه، ولم نعلق الباب في وجهه. وعلينا أن نحوطه بالجلساء الصالحين، والأصدقاء الناصحين، ونبعده عن أصدقاء السوء وخلطاء السوء، الذين يسوقون إلى الشر في الدنيا، والى النار في الآخرة، وأن ندقّ على أوتار الخير في قلبه، ونظل نذكّره ونذكّره، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، راضين منه بالقليل وأقل القليل أولا، ثم نترقّى به بعد ذلك، حتى ينقل من الظالم لنفسه، إلى المقتصد، ثم إلى السابق بالخيرات بإذن الله.