نسائم الإشراق، الحلقة رقم (1806) 29 يناير2022م، 25جمادى الآخر 1443هـ، فقه الوسطية الإسلامية والتجديد، معالم ومنارات، الشيخ يوسف القرضاوي، الحلقة رقم (80).

بين الرجاء والخوْف:

ثم على الداعية البصير، والمرشد الحكيم: أن يأخذ بالمنهج الوسط بين الرغب والرهب، أو بين الرجاء والخوف. فلا يبالغ في الترهيب والتخويف من عقاب الله، أوعذاب النار، وعذاب القبر، حتى يوئس الناس من روح الله، ولا يغلو في الحديث عن الرجاء في رحمة الله ومغفرته وعفوه، حتى يؤمّن الناس من مكر الله. كما قال علي رضي الله عنه: "ألا أنبّئكم بالفقيه كل الفقيه؟ من لم يؤيس عباد الله من روح الله، ولم يؤمّنهم من مكره".

ولقد شكا إليّ  بعض الآباء أن ابنته – وهي طالبة – تقوم من الليل فزعة مذعورة، بسبب أنها استمعت إلى شريط يتحدث عن عذاب القبر، وما فيه من حيّات كالأفيال، وعقارب كالبغال، على طريقة بعض الوعاظ المبالغين في التخويف!! وهذا ما ننكره ولا نرضاه، ولا يتقبّله المنهج الوسطي الذي نؤمن به، والذي يدعو إلى التبشير لا التنفير "بشّروا ولا تنفروا".

وهذا هو المنهج القرآني في الترغيب والترهيب، فهو يذكر الوعد مع الوعيد، والجنّة مع النّار، وموجبات الرجاء مع موجبات الخوف، يقدّم أحدها على الآخر بحسب السياق.

انظر قوله تعالى: {اعْلمُوا أنَّ اللَّهَ شَدِيد ُ الْعِقَابِ وَأنَّ اللَّهَ غَفوُرٌ رَحِيمٌ} [المائدة:98]. وقوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ  لَذوُ مَغْفِرَةٍ  لِلناَّسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ  وَإِنَّ  رَبَّكَ  لَشَدِيد ُ الْعِقَابِ} [الرعد:6] وقوله تعالى: {نبِئْ  عِبَادِي أنِي أنَا الْغفَوُرُ  الرَّحِيمُ  وَأنَّ  عَذاَبِي هُوَ  الْعَذَابُ  الْألِيمُ} [الحجر:50،49] وقوله تعالى: {غَافِرِ  الذنّْبِ  وَقاَبِلِ  التوّْبِ  شَدِيدِ  الْعِقَابِ  ذِي الطَّوْلِ  لا إلِهَ إِلاَّ  هُوَ إلِيْهِ  الْمَصِيرُ} [غافر:3] وقوله تعالى: {وَفِي الْآخِرَةِ  عَذاَبٌ  شَدِيدٌ وَمَغْفِرَة ٌ مِنَ  اللَّه وَرِضْوَانٌ} [الحديد:20].

وبهذا يتوازن في نفس المؤمن: الرجاء في رحمة الله، والخوف من عذاب الله.

كما وصف بعض عباده الصالحين، فقال: {أمَّنْ هُوَ قاَنِتٌ آناَءَ الليّْلِ سَاجِدا وَقاَئمِا يَحْذرُ الْآخِرَة َ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِهِ} [الزمر:9]. وقال: {أوُلئِكَ الذِّينَ يَدْعُونَ يَبْتغَوُنَ إِلَى رَبِهِمُ الْوَسِيلَةَ أيَهُّمْ أقَرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتهَ ُ وَيَخَافوُنَ عَذاَبَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِكَ كَانَ مَحْذوُرا} [الإسراء:57]. وقال تعالى: [فَلا يَأمَنُ مَكْرَ اللَّه إِ لاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99]. كما قال: {إِنَّهُ لا ييَأسُ مِنْ رَوْح اللِّه إِلَّا  الْقَوْمُ  الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].