لقد تغيرت نظرة البشرية جمعاء للحياة الصحية السليمة ومقوماتها منذ بدء الجائحة؛ إذ عاد الإنسان من غزوه للفضاء وشقه للمحيطات بعدما نزل من أبراجه التي تناطح السحاب، إلى جسمه -كونه الصغير النابض بالحياة- كالمشدوه الذي باغتته المصيبة، يلملم بقايا صحته الضعيفة، التي جنت عليها السرعة المتمثلة في الطعام الجاهز الضار والحركة البطيئة المقيدة، فقد غزت بطنه وسائر أعضائه الدهون الضارة المهلكة واستوطنتها، ليواجه الفيروس أو ليعزز من مناعته الصفرية التي هي حائط صده الوحيد في هذه المواجهة؛ فلا قدرة للإنسان على هزيمته خارج ميدان المعركة الذي هو جسده ما عدا استخدام بعض المواد الكيميائية التي لا يداوم عليها إلا القليل رغم ما لها من تأثير بالغ في ترجيح كفة الإنسان.
وعلى مدار عامين متصلين شهدنا محاولات كثيرة لتصنيع لقاح مضاد للفيروس، حتى وصلنا نهاية الأمر إلى بعض النتائج المقبولة التي تستند في أساسها على طرق علمية تقليدية، اعتنت بها غير شركة عالمية معروفة، لكنها جميعًا -وللأسف- لا تلبي حاجة البشرية الماسة؛ إذا لا تنتج إلا لقاحات باهظة الثمن، شحيحة العدد، تجعل يد الأغنياء العليا على الفقراء، وتضعهم فى مرمى الفيروس ليتكاثر ويدمر ويقطع الأنفاس، ويجدد من مادته الوراثية، ثم يترك الإنسان جسدًا هامدًا، تنفطر عليه قلوب أحبابه، وهو ما تتدخل الأنظمة النباتية المعدلة وراثيًا فيه لترجح كفة البسطاء بقدرتها على توفير لقاحات آمنة وفعالة، وسريعة، وزهيدة الثمن، بأعداد كبيرة تفوق التقليدية بأضعاف كثيرة.
وتعتمد عملية صناعة اللقاح الأخضر على خمس مراحل مترابطة، ويُستخدم فيها أكثر من تقنية واحدة، ورغم ذلك لم تفقد مميزاتها الكبرى التي تجعلها مفتاحًا سحريًا للبشرية، التي لا تستغل النبات استغلاله الأمثل، بل تجور عليه، كأنه عدوها لا منقذها ومخلصها.
الخطوة الأولى: تصنيع المادة الوراثية للفيروس
تبدأ هذه العملية باستخراج تسلسل وراثي "كود" محدد من الفيروس، ثم باستخدام تكنولوجيا محددة يُضاعف الكود إلى آلاف النسخ، التي تنقل إلى داخل بكتيريا معدلة تغزو النبات، الذي بدوره يقرؤها ويعالجها داخل نظامه الحيوي إلى بروتين فيروسي محدد.
الخطوة الثانية: الانسلال البكتيري
تُغمر النباتات في سائل يحتوي على بكتيريا تحتوى على هذا التسلسل الوراثي للفيروس، ثم باستخدام تقنية سحب الهواء في المسافات البينية لخلايا النباتات، يُمتص السائل المحتوي على البكتيريا المعدلة.
الخطوة الثالثة: فترة الحضانة
في نهاية الانسلال البكتيري، تنقل النباتات بعناية إلى صُوَب زراعية مخصصة لتستكمل نموها لمدة أربعة أيام متواصلة، وفي هذه الفترة يقوم النبات بمعالجة التسلسل الوراثي إلى الصورة الفعالة المطلوبة من خلال نظامه الحيوي، والتي تمثل جزءًا حقيقيًا من الفيروس.
الخطوة الرابعة: الحصاد
يُحصد النبات بعد اكتمال نموه، وتوضع أوراقه في محلول لاستخراج أجزاء الفيروس الحقيقية، التي تحاكي الجزء الخارجي منه خاليًا من أي مادة وراثية يمكنها إلحاق الضرر بالإنسان، لتستحث الجهاز المناعي على التعرف عليها كمسبب للمرض، ومن ثم التعامل معه لحماية الجسم.
الخطوة الخامسة: التنقية
تستخرج أجزاء الفيروس الحقيقية، ثم تُنقى ويضاف إليها بعض معززات التعرف المناعي، وتعد في شكلها الصيدلاني المعروف لتصبح قابلة للاستخدام.
وعلى غير ما يبدو، فهذه عملية سريعة وفعالة، تمكننا من إنتاج ملايين الجرعات في فترات زمنية قصيرة، وليس ذلك على سبيل الجانب النظري فقط، فقد تحول الحلم إلى حقيقة منذ سنوات طويلة في علاج فيروس إيبولا والإنفلونزا، وقد تمكنت شركة ميديكاجو الكندية في عام 2012 من تصنيع 10 ملايين جرعة في غضون 30 يومًا فقط.
وقد اجتازت الشركة نفسها بالتعاون مع شركة "جي إس كي" البريطانية، المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاح النباتي الأخضر المضاد لفيروس كورونا بنجاح بنسبة تفوق 71%، من دون أي آثار جانبية محتملة، وتسعى الشركة للحصول على موافقة هيئة الدواء الكندية حاليًا، الأمر الذي يجعلنا نتساءل إن كانت الدول الكبرى تسعى حقًا لتوفير اللقاحات للدول الفقيرة، فلماذا لا تتكاتف لاستخدام هذه التقنية الفعالة، التي تقدم ميزة إضافية تمكننا من مواجهة طفرات الفيروس وتعديل اللقاح حسبها، من دون أي تكلفة زائدة؟
المصدر: مدونات الجزيرة نت