فإذن، ظهر لك في هذه العقبة ثلاثة طرق: طريق الأمن والجراءة، وطريق اليأس والقنوط، وطريق الخوف والرجاء ممتد بينهما، فإن ملت عنه بقدم إلى يمينك أو يسارك، وقعت في المُهلكين وهلكت مع الهالكين. ثم الشأن أنّ الطريقين الجائرين المُهلكين أوسعُ مجالاً وأكثر داعياً، وأسهل سلوكاً من الطريق العدل، لأنك إذا نظرت من جانب الأمن رأيت من سعة رحمة الله وكثرة فضله وغاية جوده، ما لا يبقى لك معه خوف، فتتكلُ على ذلك بمرّة وتأنس به، وإن نظرت من جانب الخوف رأيت من عظيم سياسة الله وكثرة هيبته، ودقّة أمره، وغاية مناقشته، مع أوليائه وأصفيائه، ما لا يكاد يبقى معه رجاء، فتيأس بمرّة وتقنط، فتحتاج أن لا تنظر إلى سعة رحمة الله تعالى فقط، حتى تتكل وتأمن، ولا إلى عظيم الهيبة والمناقشة فقط، حتى تقنط وتيأس، بل تنظر إلى هذا وإلى هذا جميعا، وتأخذُ من هذا بعضاً، ومن هذا بعضاً، فتركب بينهما طريقاً دقيقاً، وتسلك ذلك لتسلم، فإنّ طريق الرجاء المحض سهل واسع عريض، وعاقبته تؤدّيك إلى الأمن والخسران، وطريق الخوف المحض واسع عريض، وعاقبته تؤدّيك إلى الضلال، والطريق العدل بينهما طريق الخوف والرجاء، وإن كان دقيقا عسرا فإنه سبيل سالم، ومنهج بيّن، يؤدّي إلى الغفران والإحسان،ثم إلى الجنان والرّضوان، ولقاء الملك الرحمن، أما تسمع قوله تعالى في أبناء هذا
السبيل: {يَدْعُو نَ رَبهُّمْ خَوْفا وَطَمَعا}[السجدة:16]، وقال: [فَلا تعْلَمُ نفَسٌ مَا أخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرَّةِ أعْينٍ جَزَا ء بمِا كَانوُا يَعْمَلوُنَ} [السجدة:17] فتأمّل هذه الجملة جدا وتشمّر وتنبّه للأمر، فإنه لا يجيء بالهُوينا والله الموفق.