وقد ذكر الغزالي في هذا الكتاب "منهاج العابدين" من أقوال الله سبحانه في الترغيب والترهيب، ومن أفعاله مع خلقه في الأخذ والعفو، ومن جزائه لعباده بالتواب والعقاب، ومن أحوال الخائفين وأحوال الراجين، ما يجعل المؤمن دائما واقفا بين الحذر والأمل، حتى الأنبياء والصدّيقون لا يأمنون من مكر الله، كما لا يقنطون من رحمته.
قال مطرف بن عبد الله: لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه، لوجدا سواء لا يزيد أحدهما على صاحبه.
وروى أبو نعيم عن عمر قال: لو نادى مناد من السماء: أيها الناس، إنكم داخلون الجنة كلكم أجمعون إلا رجلاً واحداً، لخفت أن أكون هو. ولو نادى مناد:
أيها الناس، إنكم داخلون النار إلا رجلا واحدا، لرجوت أن أكون هو.
وذكر الغزالي: أن علياً رضي الله عنه قال لبعض ولده: يا بنيّ خف الله خوفاً ترى أنك لو أتيته بحسنات أهل الأرض لم يتقبّلها منك، وارج الله رجاء ترى أنك لو أتيته بسيئات أهل الأرض غفرها لك. انتهى.
ويعرض ابن القيم، رحمه الله لهذا الأمر في "المدارج" فيقول:
القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطير جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر. ولكن السلف استحبوا أن يقوى في الصحة جناح الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف. هذه طريقة أبي سليمان وغيره، قال:
ينبغي للقلب أن يكون الغالب عليه الخوف، فإن غلب عليه الرجاء فسد. وقال غيره: أكمل الأحوال: اعتدال الرجاء والخوف، وغلبة الحُبّ. فالمحبّة هي المركب، والرجاء حاد، والخوف سائق، والله الموصل بمنّه وكرمه. [مدارج السالكين (1/517).]