بين السلفية والصوفية "نسلف الصوفية ونصوف السلفية":
وفي عصرنا نجد الخلاف منتشرا بين من يسمّونهم "السلفية" ومن يسمّونهم "الصوفية" والحرب دائرة الرحى، مشتعلة الأوار بين الفريقين. وموقف أهل الوسطية هنا هو: فك الاشتباك بين الطرفين، وعقد الصلح بين الفريقين، وتطعيم كل فريق بأفضل ما عند الآخر. فنمزج السلفية بالصوفية البعيدة عن الشرك والمبتدعات، ونمزج الصوفية بالسلفية البعيدة عن التكفير والتفسيق والتبديع، ليخرج من بينهما مزيج متوازن منسجم يجمع بين شدة السلفية، ورقة الصوفية، كما يخرج من بطون النحل التي تأكل من كل الثمرات، شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس.
وأذكر أني تحدثت في هذه القضية مع المفكر الإسلامي السوري المعروف الأستاذ محمد المبارك، وقال لي: يجب أن نتفق على تسليف الصوفية، وتصويف السلفية! وقلت له: هذا حق، وهو المطلوب في هذه المرحلة. فإن الصوفية ينقصها الانضباط بأصول الشريعة ونصوصها التي يُحكمها السلفيون، حتى لا يقعوا في الشرك في العقيدة، أو الابتداع في العبادة، أو قبول الخرافات في الفكر. كما أن السلفية في حاجة إلى روحانية المتصوفة ور قّتهم، لترطيب جفاف القلوب، وصرامة الالتزام الحرفي.
وهذا ما أريناه بجلاء في موقف الإمامين الكبيرين: ابن تيمية وابن القيم، فهما – مع سلفيتهما المشهورة والمعروفة التي عاشا عمرهما داعيين إليها، شارحين لها، ذابّين عنها – من أعظم دعاة الربّانية الصادقة، والإيمانية الباسقة، والروحانية الصافية، المؤسسة على الكتاب والسنة. ولابن تيمية في مجموع الفتاوى مجلدان في التصوف والسلوك. ولابن القيم ذخيرة هائلة من مصنفاته في التصوف، لا تخفى على دارس، أشهرها موسوعته "مدارج السالكين، شرح منازل السائرين إلى مقامات إياك نعبد وإياك نستعين".
وكلام ابن تيمية عن التصوف هو أعدل ما قيل فيهم، بلا إفراط ولا تفريط .
وهو ما يجب أن يحتذى فيما يختصم فيه الناس، دون تحكيم الأهواء والأحقاد.