قراءة خاصة في المثل" جايت سعادُ" / محمد الأمجد ولد محمد الأمين السالم

نشر جل هذا المقال قبل عشر سنوات من الآن ولقي رواجا واسعا لدى قاعدة كبيرة من القراء

أعيد نشره اليوم لأن مخاطر العدوة سعاد  ما زالت قائمة بسبب عجز  الموريتانية عن مواجهتها

....

 السعادة الزوجية أو فردوس الدنيا كما سماها الباحث الاجتماعي الروسي الكسند مالدرونوف هدف وغاية يسعى لها كل ثنائي دخل عش الزوجية، وباعتبار تشعب هذا الموضوع فإنني سأتناوله من خلال قراءة انطباعية لحكاية موريتانية أصبحت من الموروث الشعبي الذي يرتبط بقصة الملل بين الأزواج ولنستمع إلى الحكاية من البداية.

تقول القصة إن رجالا ينتمون إلى بيت علم وأدب كانت لهم أخت وحيدة تسمى سعادُ، وكانت عالمة وراوية للشعر والأدب. وقد تزوجت وهي في سن مبكرة فنقلها زوجها إلى حيث يقيم.

وباعتبار رباطة المحبة الخاصة التي ربطت بين سعاد وإخوتها فإنهم كانوا كلما طال عهدهم بها يرحلون بحيهم إلى حيث تقيم مع زوجها ليقضوا فترة في رفقتها. وخلال هذه الفترة كانوا يهجرون بيوتهم ولا يزورون زوجاتهم إلا لماما، فيستمتعون بحكايات الأخت سعاد وما تنثر من حكم وعلوم. وحين يأتي من يسأل عن أحد هؤلاء الأزواج تقول له زوجه: “فلان في بيت سعاد” أو “هو منشغل بسعاد” أو “جايتُ سعادُ”. ومع الوقت أصبح الناس يعبرون عمن شعر بالممل تجاه زوجته أو قلل من البقاء طويلا في بيت الزوجية بقولهم: “فلان زارته سعاد أو زار سعاد أو جايت سعاد”. ولدت من رحم هذه القصة الشعبية حكاية “سعاد” التي أصبحت رمزا ودلالة على حالة نفسية يعبر عنها بالملل والفتور من أحد الزوجين تجاه الآخر.

ولا شك أن الملل أو الفتور الزوجي نتاج مجموعة من الأخطاء التي يرتكبها الزوجان أو أحدهما.

فقد تعتقد الزوجة مثلا أنها لم تعد بحاجة للاعتناء بمظهرها لأنها ظفرت بفارس الأحلام، وباختفاء المظهر الجمالي الناتج عن عدم الاهتمام بالزينة التي أباح لها الشرع وسوغها العقل والمنطق  تفقد الزوجة بعض أسلحتها التشويقية الفتاكة القادرة على جذب اهتمام الزوج.

فتجد السيدة “سعاد” فرصة سانحة لبث روح الملل والفتور في قلب الزوج، ومهما يكن من شأن الزينة المطلوبة لزيادة المحبة بين الزوجين فإن المبالغة فيها -أيضا- بوابة للإغراء وخير الأمور أوسطها.

المرأة الذكية هي التي تحرص على أن تبرز أجمل ما فيها من جمال حسي ومعنوي لزوجها. والزينة أيضا مطلوبة من الزوج لزوجه، فقد قال ابن عباس رضي الله عنه: “إني لأتزين لامرأتي لأن الله تعالى قال: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”. ودخل على الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه زوج أشعث أغبر ومعه امرأته وهي تقول: “لا أنا ولا هذا يا أمير المؤمنين” (أي خلصني منه) فعرف عمر أن بغضها له جاء من قبح مظهره، فأجلسها وأرسل الزوج ليستحم ويأخذ من شعر رأسه ويقلم أظافره ويتزين، فلما حضر الزوج وهو في هيئة جديدة مقبولة، أجلسه عمر بالقرب من زوجته، فنفرت منه أولا، ثم عرفته فاستأنست به، ورجعت عن دعواها فقال عمر: “هكذا فاصنعوا لهن فو الله إنهن ليحببن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يتزين لكم”.

وقال الإمام القرطبي: “على الرجل أن يعمل اللائق ليكون عند امرأته في زينة تسرها وتعفها عن غيره من الرجال”، ومما قاله الحكماء: “الزينة ألذ في القلب وأجمل في العين وأدوم للألفة والمودة”.

لكل هذا نرى أن المرأة تزداد حظوة عند زوجها بالمواظبة على الزينة والنظافة عاملة بما أباح لها الشرع من زينة وملابس ولتحذر كل الحذر من أن يقع بصره على شيء يعافه من وسخ ورائحة مستكرهة.

وأرجو أن يفهم من هذا الحديث أيضا أن قلوب النساء مثل قلوب الرجال عرضة لهجوم “سعادُ”، بل إن حساسية المرأة قد تجعلها أكثر عرضة لأنواع من هذا الداء مستعصية الشفاء، لذلك فإن الرجل مطالب بكل عناصر الجذب والتشويق كي يبقى مقبولا هو الأخر يقول: pacal de la noix في كتابه “مفاتيح السعادة الزوجية”: “إن أحق أحد بالاستمتاع بهندام الرجل وبمفاجئاته الجميلة هي زوجته، ويخطئ الزوج الذي لا يستخدم أدوات التشويق من مظهر وحسن تصرف وهدايا واستخدام راق للغة الحوار… لأنها من أسباب حجز أكبر مساحة من قلب الزوجة وخلق جو أسري رومنسي يمد البيت بدفء الحب ويقطع الطريق على الملل والروتين”…

مفتاح آخر من مفاتيح السعادة الزوجية الطاردة لسعاد، ألا وهو الوفاء فبقدر ما شعرت الزوجة بان زوجها ملكا لها وحدها وأنها استحوذت على مشاعره وأنه وفي معها بقدر ما سعت في الحفاظ عليه وبقدر ما شكت في وفائه أو اكتشفت أن في سلوكه شائبة غدر أو كذب زهدت فيه.

ومع اتساع دائرة عدم الثقة بين الزوجين تجد سعاد الفرصة السانحة للدخول إلى البيت وقد تتطور برودة العلاقة بين الزوجين لتفضي إلى الطلاق.

ومن الخصال التي تحب المرأة الموريتانية أن تجد في زوجها ونرى أنها من مشوقات الرجل عموما خلة الكرم… ولاشك أن الكرم خلق حميد ومنقبة فاضلة تساعد على تقوية أواصر الصداقة ومد جسور الود والحب، وقد رغب الشارع في تبادل العطايا والهبات: “تهادوا تحابوا”.

ونورد بالمناسبة الحكاية الطريفة التالية. تقول الحكاية: “خطب المغيرة بن أبي شعبة رضي الله عنه، وفتى من العرب امرأة. وكان الفتى جميلا حسن الهندام ومن بيت عز وشرف، وكان المغيرة آنئذ شيخا كبير السن، فأرسلت لهما إنكما خطبتماني ولست أجيب أحدا منكما دون أن أراه وأسمع كلامه، فاحضرا إن شئتما، فحضرا فأجلستهما حيث تراهما وتسمع كلامهما، فلما رأى المغيرة الفتى ونظر إلى شبابه وحسن هندامه يئس منها فأقبل على الفتى وقد فكر في مخرج لإقصائه، وقال له: “لقد أوتيت جمالا وحسن هيئة وبيانا، فهل عندك سوى ذلك؟ فقال الفتى نعم”، وعدد محاسنه، ثم سكت، فقال له المغيرة: “كيف حسابك؟”. قال الفتى: “ما يسقط علي من الحساب شيء، وإني لأستدرك أقل من الخردلة”، فقال له المغيرة: “أما أنا فإنني أضع البدرة في زاوية البيت فينفقها أهلي على ما يريدون فما أعلم بنفادها حتى يسألوني غيرها”، فقالت المرأة في نفسها: “والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إلي من هذا الفتى الذي يحصى على مثل صغيرة الخردل”، فتزوجت بالمغيرة.

ولأن الوقاية خير من العلاج، فإن اختيار الزوجة أو قبول الزوج دون بحث وتدقيق من أسباب كل الأمراض الأسرية ومن بينها “سعاد” التي تؤدى إلى انفراط عقد البيت أوخرابه، أو البقاء تحت سقف مليء بالمنغصات…

لهذا يجب اختيار الزوج والزوجة من ذوي (وذوات) الأخلاق والمروءات والعفة ويحسن الابتعاد عن ذوي (وذوات) الطيش والخفة وسوء الأخلاق لأن من كانت تلك صفاته غير جدير بتحمل تبعات أمر خطير مثل الزواج.

يحكي أن أعرابيا تزوج امرأة فأذاقته الأمرين فافتدى نفسه منها بخمار وجبة فقدم عليه ابن عم له فسأله عنها فقال:

خطبت إلى الشيطان في الحين بنته

فأدخلها من شقوتي في حباليا

فأنقذني منها خماري وجبتي

جزى الله خيرا جبتي وخماريا

ووردت الحكاية الطريفة التالية في كتاب تحفة العروس: قال خالد الحذاء “خطبت امرأة من بني أسد فجئت لأنظر إليها وبيني وبينها ستار يشف، فدعت بقدر كبيرة مملوءة ثريدا مكللة لحما فأتت على آخرها، ثم أوتيت قدحا مملوء لبنا فشربته حتى كفأته على رأسها، وقالت يا جارية ارفعي الستر.

فإذا هي جالسة على جلد أسد، فقالت يا عبد الله أنا أسدة من بني أسد وهذا مطعمي ومشربي فإن أحببت أن تتقدم فأفعل، فقلت أستخير الله فخرجت هاربا ولم أعد وحمدت الله على السلامة”.

وهناك باب آخر قد تدخل منه سعاد وهو سوء المعاشرة، وهو باب واسع تدخل فيه سلاطة اللسان والعجرفة في القول، والاستبداد في الآراء والمواقف المرتبطة بتسيير شؤون البيت؛ لأن النفس الإنسانية بقدر ما جبلت على محبة من يحسن إليها مطبوعة على بغض من يسيء إليها.

ومن الضروري أن يتعلم الزوجان تحسين الخلق، لأن المنفرد بنفسه لا يستطيع أن يختبر استعداده على الصبر، ولا يستطيع اكتشاف ما به من عيوب.

فحسن الخلق هو أهم جسر يوطد ويعضد العلاقات الاجتماعية، ومن أعطيه فقد أوتي أهم وسيلة لزرع المحبة في قلوب الناس. ويكفي حسن الخلق فضلا أن الله مدح به النبي صلى الله عليه وسلم (وإنك لعلى خلق عظيم) ووردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في معاملة الناس بالتي هي أحسن. ومما يلهج به كل لسان: “خيركم من يألف ويولف” و”بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

وقال أحد الشعراء ينصح زوجته:

خذي العفو مني تستديمي مودتي@

ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

ولا تنقريني نقرك الدف مرة@

فإنك لا تدرين كيف المغيب

ولا تكثري الشكوى فتذهب بالقوى@

فيأباك قلبي والقلوب تقلب

فإني رأيت الحب في القلب والأذى@

إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب

نافذة أخرى قد تدخل منها سعاد إلى قلب الزوج وهي عدم خبرة الزوجة بأساليب التحبب والتقرب، فلو استطاعت الزوجة أن تحسن استغلال الكلمة الطيبة أو الدعابة والنكتة، أو أن تفاجئ زوجها بشاي خاص في وقت مناسب أو هدية غير منتظرة، لكانت الرابح الأكبر في لعبة التحبب والتودد. وعلى كل فإن التقرب والتودد فن راق يحتاج إلى درجة عالية من الدبلوماسية العاطفية، وهو سلوك إنساني رفيع. ومما يساعد على وضع العراقيل والحواجز أمام دخول سعاد إلى البيت قدرة الزوجة على التوفيق بين تربية أبنائها ورعاية زوجها، فإذا استحوذت تربية الأطفال على قلب الزوجة فإن البيت قد يتحول إلى روضة أطفال. ولتعلم كل زوجة ذكية أن الزوج مهما كانت سنه طفل كبير يحتاج إلى الحنان والرعاية والعطف عليه، وعلى الزوج أيضا أن يستثنى من وقت العمل سويعات يخصصها لرعاية زوجته وأولاده.

ومما يوصى به لمقاومة الملل الأسري الحرص على تجديد الحياة وبلورة المشاعر كل فترة زمنية، مما يعني مثلا أن يبتعد الزوجان قليلا عن بعضهما البعض، كأن يسافر كل واحد منهما إلى أهله ثم يتبادلان الرسائل أو تذهب الزوجة لزيارة أهلها مدة أيام.

وليعلم كل زوج وزوجة يرغب في السعادة الزوجية أن توقف التعبير عن المشاعر والاقتصار على الحياة النمطية التي تبقى على نمط واحد هو الباب المفتوح على الملل الذي قد تدخل منه “سعاد”