بين الحضارة والبداوة والإنسانية والهمجية محنة الطفل ريان مثلا!/ بقلم الأستاذ محمدٌ ولد إشدو

انتقل الطفل المغربي ريان ذو السنوات الخمس إلى جوار ربه ورحمته الواسعة. والخطوات التي قادته إلى قعر البئر المعطلة، والمصير الذي آل إليه رغم جميع محاولات إنقاذه، كل ذلك كان قضاء وقدرا. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! وإنا لله وإنا إليه راجعون! وآجر الله والديه وذويه في مصيبتهم وعظم أجرهم.

لكن قصة هذا الطفل الشجية، ومحنة أيامه الخمسة في غيابات الجب سرعانما "لامست" شغاف قلوبنا الميتة فأذكت فينا جذوة الحب والإخاء والتضامن الإنساني التي خبت في سبات جاهليتنا الجديدة! فهل أسمع هذا الطفل الوديع أكثر من غيره، رغم صغر سنه، وضعف بنيته، وتواضع ما لديه من معارف، ورغم حظه العاثر؟!

لعل ثلاثة عوامل أساسية كان لها الدور الأكبر في إنجازه العظيم، وهي:

- الموقف الحضاري والإنساني للدولة المغربية من طفولتها ومن واجب حماية أرواح مواطنيها، مهما كلف ذلك من ثمن!

- بقية أخلاق وشيء من التقوى راسب في قرارات نفوس بعض خيري العالم!

- التقدم العلمي والتكنولوجي الذي أصبح بفضله عالمنا قرية صغيرة.

ولكي نستخلص العبر من هذه الملحمة الإنسانية لا بد أن نتوقف عند البون الشاسع الذي يفصل بين الحضارة والبداوة، وبين الإنسانية والهمجية. ويمكن تسجيل تجليات ذلك في مشهدين بارزين:

 

1. الفرق بين الحضارة والبداوة. فبينما كانت المملكة المغربية تزج بجميع إمكانياتها: قرارها السياسي، أمنها، معداتها الهندسية وخبراتها العلمية والتكنلوجية وخبرائها وميزانياتها وإعلامها .. إلخ، لإنقاذ طفل عمره خمس سنوات سقط في بئر معطلة قضاء وقدرا! كانت أختها وجارتها الجنوبية الجمهورية الإسلامية الغراء تجند طاقاتها هي الأخرى: قرارها السياسي، أمنها، معداتها الهندسية والتقليدية وخبراتها العلمية والتكنلوجية وخبراءها وميزانياتها وإعلامها .. إلخ، من أجل إسقاط ووأد رئيسها السابق ورائد نهضتها الستيني الذي تنحى عن السلطة طواعية احتراما للدستور، في بئر حفرتها له بأيديها.. و"رحلنا كما كان آباؤنا يرحلون"!

2. الفرق بين الإنسانية والهمجية. كم هو جميل وبديع أن يظل العالم طيلة خمسة أيام مشدودا إلى قعر بئر مغربية يمسك أنفاسه، ويده على قلبه، يحسب الثواني، والأمتار، التي تفصل بين ريان وفرق الإنقاذ، ويصلي من أجل ذلك الطفل، وأن تظل الطاقات محشودة، ووسائل الإعلام مكرسة للحدث 24 ساعة على 24 ساعة. ويذكر هذا لعالمنا الإنساني ويشكر! ولكن ما ذا عن للطفولة المستباحة في فلسطين وفي اليمن، حيث تسحق المجازر اليومية براعم البشر بالمئات؟! أوليسوا بشرأ؟ أم هم الاستثناء الذي يثبت صدق قول الشاعر في إنسانيتنا الهمجية العرجاء:

قتل امرئ في غابة ** جريمة لا تغتفر

وقتــل شعب آمـن ** مسألة فيها نظر!