في لقاء مؤتمر السلم يجتمع مع وكلاء مشروع النظام العالمي الجديد صنفان من العلماء والدعاة والمسنرزقين بألقابهم..
صنف عابر للحدود.. يُتخد لعمارة المؤتمرات الدولية، فيبث فيها الرسائل السلطانية مهما خالفت الملة، كدعوتهم لتوحيد الأديان افتراءً على ملة إبراهيم الحنيفية.
وصنف محلِّي ، تُرجى منه تهدئة النَّاس حتى لا يُدركوا خطورة المؤامرة.. وقد يكون من هؤلاء من يُنظر إليه أنَّه يسفُّ التُّراب, ولا يخضع لأحد عند باب, فإذا حضر يُلبس حضوره لباس الجلال ، وإذا تحدث يُنعت حديثه بالجمال، ولو حضر دون استشارته، أو تحدَّث بعيدا عن الاستدلال, وفي غير وحدة موضوعية..لأن المقصود من كلامه إذا تكلم وحضوره إذا حضر أن يكون عَلفَ قوافل تخدير النَّاس.
لا ريب أنَّه لا تستقيم منفعة مع الفوضى, ولا يُذاق لثمرة حلوة طعم في ظلِّ الخوف, بل الأمن منتجع النُّفوس, ومورد الآمال, ولم تَزَل مزاياه تَعبق حتَّى صار قولُهم: "أطيب من الأمن" مثلا سائرا...
ولكن لا سبيل إلى أمن شامل وارف الظلال ما لم تُنكر المنكرات السلطانية.. وذلك امر لا يلوي عليه مؤثمر السلم إلا بجعل الإنكار على الحكام ورفض هيمنة قُوى الكفر العالمي سبيلا للفوضى واعتراضا على السلم.
يومَ قدّم مروانُ الخطبةَ قبل الصلاة قام رجل فقال: "يا مروان خالفتَ السُّنَّة" قال: "تُرِك ما هناك يا أبا فلان" حينها تكلم أبو سَعيد الخدري ولم يقل للرَّجل لا تُنكر عملا سلطانيا, ولا تَفتح أبواب الفوضى والإنكار.,.وإنّما قال رضي الله عنه: أما هذا فقد قضى ما عليه, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: (مَن رأى منكم منكرا فليُغيِّره بيَده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان) رواه أحمد ومسلم.
وليت علماء السلم ودعاته اليومَ -والحدود معطَّلة والحسبة الشرعية مضيَّعة- يُنكرون هذه المنكرات بدل المشاركة في مؤتمرات أصحابها لمجرد ظن استشارة بنيانُها خراب وأثرُها سَراب..وهنالك نقاط لابد من إيضاحها:
1. ستذكر مزايا الحكومات ويُعترف بما تفعل من الخير, وهذا يدعو إلى بيان أمر مهم, فالمصلح لا يُلقي الكلام على علاته..بل تتحكَّم في كلامه خصوصية الإصلاح الإسلامي, وما دام القوم لم يُحكِّموا الشريعة ولم يَسعوا في تطبيق حدودها سعيَهم في الانقلابات وتغيير الدساتير وسنِّ القوانين, فلا يجوز تجاوز الخِصب عَدوًا إلى قيعانٍ لا تُمسك ماءً ولا تُنبتُ كلأً.
لا ننكر الثناء بقدر المستحقِّ ولا الإشادة بعمل راشد, فقد اعترف النَّبيُّ الأكرم صلَّى الله عليه وسلّم بالجميل للمطعم بن عدي رغم موته على الشرك, ولم يَستبعد من المشركين يومَ الحديبية عرض خطَّة رُشد وهم الضُّلَّال ذَوو الغيِّ, ولم يكن في شَيء مِن ذلك وَهم يزيغ به الفهم, ولا لبسٌ يُصيب صفاءَ الحق بسَهم, بل كان ديمةَ إنصاف ماطرة, ومنهجَ عرفانٍ وضَّاء.
واليومَ عند ذكر بعض الانجازات والثناء على أهلها لا بدَّ مِن قطع الطَّريق على الأوهام, والبُعد عمَّا تضلُّ به الأفهام , فلا يُظَن أنَّ المنوَّهَ به مُطبِّق للشرع, خاصَّة مع كثرة الجهل وتبعثر الشُّبهات, وبهذا المنهج تبقى جذوة المطالبة بإقامة الحق حيَّة في النفوس, والخير كلُّ الخير في ذلك, وفي غيره المهالك (ومن أحسن مِن الله حُكما لقومٍ يُوقِنون)
2. سيقع استبشار بثقة الدَّولة في العلماء.. وليتَ شِعري أيَّ علماء!!؟
إنَّهم سيبقون فرقة عَزف لحن الحاكم, ولن ينبت في جهتهم أمل ولو كانوا يغرسون على شَفة السَّحاب.. وعجيب أنَّ المؤمن لا يلدغ مِن جُحر مرَّتين, بينما يُراد لنا أن نُلدَغ من جُحرِهم مِرارا..
وناهيكم عن زماننا ..كان في عهد السَّلف بعض علماء السوء ووعَّاظ الشَّر, ولم تكن لهم قوَّة ولا تأثير, لقرب العهد بزمن النُّبوَّة ولكثرة أهل العلم الذين كانوا أتبع للحق من الظِّل, وكانوا موفين بميثاق: (لتُبَيِّنُنَّه للنَّاس ولا تَكتمونَه)
أمَّا اليوم فقد قلَّ علماء الحقِّ وكثُر علماء السُّوء الذين أعرضوا عن الكتاب (فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا)
عند كلِّ حكومة طائفة منهم, تُبرِّر باطلَها, وتَمدح عاطلَها, ويومَ زار اترامب أرض الجزيرة, وصف بعضُهم زيارته بالمباركة, وثمَّنوا دعوته للسلام, وشَدُّوا على يَده لمحاربة التَّطرُّف استدلالا بالمصلحة وخدمة للإنسانية..كما يفعل علماء البلاط عندنا عند كلّ مضايقة للدَّعوة.. وذلك كله شِنشنة معروفة عن علماء السُّوء.
وأتذكَّر دعوة للإمام الشوكاني على بعض العلماء المتعلقين بالرياسات من أهل البيت, فقال: (أبعد الله علماء السُّوء وقلَّل عددَهم) فإذا كانت هذه دعوتَه على المتزلفين بالباطل لأهل البيت الطَّاهر رغبة في الرِّياسة فليتَ شعري كيف تكون اليومَ دعوتُه على المتزلِّفين لأهل "البيت الأبيض" تبعا لأوليائهم وحفاظا على مناصبهم !!؟
3. مؤتمر تعزيز السلم تموله دولة الإمارات التي لا يزال ينزف الجرح الذي خلفته في اليمن وليبيا وغيرهما..
ويحضره سفير الحريات الدينية في أمريكا التي نشرت الخوف والظلم وأسالت الدماء والدموع في كل مكان..
هذا فضلا عن برامجه المضلة المثبورة المبدلة للدين باسم السلم العالمي، والداعية لوحدة الأديان باسم الأخوة الإنسانية.
فليت شعري ماذا يُرجى من حكماء النظام العالمي الجديد وقرة عين مسعِّري الحروب وموقِدي الفتن!؟