القطاع العقاري و فرص الإقلاع ح 4 ( الحلقة الأخيرة )/د. محمد الأمين شريف أحمد.

من أجل إنتشال القطاع العقاري من الهوة السحيقة التي يترنح فيها منذو عقود، و العمل على تمكينه من قيامه بالدور الريادي في تنمية البلاد و صون ملكية الأفراد و الدولة، لا بد من أن نُوَدِّعَ العقلية التقليدية التي يتم تسيير بها القطاع العقاري من الإستقلال و إلى حد الآن، و نعمل على تحديث أساليب العمل لتواكب التحديات و متطابات الواقع اليومي، و أن نفهم بأن المجال العقاري أصبح من الضخامة و التشعب و إرتباط مصالح عامة الشعب به و أهميته في تعبئة الموارد الضرورية للتنمية، ما يُحَتِّمُ علينا أكثر من أي وقت مضى، بناء إستراتيجية عقارية تساهم في تمويل التنمية، و صون الأملاك العامة والخاصة، تعتمد على الأركان التالية:

أولا- هيكلة إدارية مناسبة:
المجال العقاري على عموم التراب الوطني اليوم، من الضخامة و التشعب و التداخل ما جعل تسييره يستحيل بواسطة إدارة مركزية تابعة لإدارة عامة بوزارة المالية، بل لا يمكن ضبطه، و تحقيق الأهداف المنوطة به إلا من خلال وزارة منتدبة لدى وزير المالية أو على الأقل كتابة عامة وصايتها تابعة لوزير المالية، تتبع لها الإدارات التالية:

1/ إدارة الأرشيف العقاري:
أهم إدارة عقارية، هي إدارة الأرشيف العقاري، وهي بمثابة القلب في الجسد، فَجُلُّ العمليات العقارية تبدأ من الأرشيف و تعود إليه، ويعد الأرشيف الحاضنة الفعلية للثروة العقارية و ما يعني ذلك من أبعاد إقتصادية و أمنية، و من أجل أن يظل الأرشيف آمنا قابلا للإستغلال لغرض العمل اليومي، لا بد من تخصيص إدارة له، تعمل من خلال نظام معلوماتي جيد يطلع بجميع المهام المطلوبة، بشكل آمن و سريع، وَ يَجِبُ أن يكون طاقم الأرشيف محاطا بالكثير من التشجيعات المعنوية و المادية، و لا يعمل في هذه الإدارة الحساسة إلا المتميزين الأكفاء؛

2/ إدارة العمليات العقارية:
إن تزايد العمليات العقارية اليومية ( إشاء رسائل المنح و تجهيز أوصال السداد و إنشاء رخص الحيازة و تثبيت تحويل الملكية و فصل القطع الأرضية الموجودة في رخصة حيازة واحدة و إعداد نسخ ثانية للرخص الضائعة... )، يتطلب إدارة منفردة تقوم بهذا العمل الضخم و المتشعب، على عموم التراب الوطني، و ذلك من خلال برنامج معلوماتي آمن يقوم بجميع هذه العمليات العقارية بصورة دقيقة و سريعة؛

3/ إدارة المساحات العقارية:
إدارة فنية بإمتياز، يعهد إليها القيام بجميع عمليات المساحات العقارية على عموم المجال العقاري الوطني، من حفظ للمخططات و تسجيل ما يتم عليها من عمليات يومية من تحويل الملكية و إقتطاعات و تجزئة و دمج... و يتطلب نجاح إدارة المساحات العقارية، توفير الوسائل اللوجستية و الفنية، وطاقم متخصص و برنامج معلوماتي ينظم جميع مراحل العمل؛

5/ إدارة التنسيق و المكاتب العقارية الجهوية:
إن التحديات التي يُواجهها القطاع العقاري على عموم التراب الوطني، تتطلب فتح مكاتب جهوية في جميع الولايات، معنيَّة بمتابعة العمليات العقارية اليومية في كل ولاياتنا الداخلية، تابعة لإدارة مختصة بتنسيق العمل فيما بينها و ما بين الهيئة المستحدثة لتنظيم المجال العقاري، تُمَكن المواطن من الحصول على الخدمات العقارية الضرورية، دون عناء التنقل إلى العاصمة، و تُمكن الدولة من القيام بالعمليات العقارية اليومية على المجال العقاري المعني بصورة مباشرة، ومن المفيد أن يتم إعتماد برنامج معلوماتي يساهم في تنظيم عمل هذه الإدارة بطريقة جيدة؛

6/ إدارة المصادر البشرية و اللوازم.
يعد إستحداث إدارة للمصادر البشرية و اللوازم تابعة للجهاز الإداري المعني بتسيير القطاع العقاري من الضروريات، لأن هذه الإدارة ستتولى متابعة الطاقم الإداري و الفني الذي يشرف على تسيير العمل، و تقوم في كل فترة بتحيين الحاجيات الضرورية من الكادر المدرب و المتخصص، و العمال، و تشرف على إعداد دورات محلية وخارجية للرفع من كفاءة الأفراد و الإستفادة من خبرات الأمم التي سبقتنا لتنظيم مجالها العقاري، كما أنه من بين المهام الموكلة إلى هذه الإدارة تسيير جميع اللوازم الضرورية لإستمرار العمل، و تحديد الحاجة من اللوازم و العمل على توفيرها، ومن أجل أن تقوم هذه الإدارة بعملها بكفاءة و شفافية، من المناسب إعتماد برنامج معلوماتي يُنظم جميع جوانب العمل.

7/ إدارة المعلوماتية:
أصبح اليوم العمل ببرامج المعلوماتية، مطلبا ضروريا لكل إدارة جادة، تسعى إلى تسيير عملها بكفاءة عالية و شفافية، و من أجل قيام الوزارة المنتدبة للشؤون العقارية أو الوكالة المعنية بتسيير الشؤون العقارية على عموم التراب الوطني، بعمل جاد يحفظ الأملاك الخاصة و العامة، و يُعبئ الموراد المالية الضخمة العائد من تنظيم المجال العقاري، لا بد من إعتماد إدارة للمعلوماتية، تشرف على إنجاز البرامج الضرورية للعمل و تعمل على متابعة العمل بهذه البرامج و تحديثها من وقت لآخر حسب متطلبات العمل؛

4/ مكتب الشؤون القانونية:
تتطلب الهيئة المستحدثة لتسيير الشؤون العقارية على عموم التراب الوطني، مكتبا قانونيا متخصص، يعمل على تقديم المشورة القانونية الضرورية، و الوقوف على إنفاذ القانون، و إقتراح التعديلات الضرورية لتحديث القوانيين المعمول بها في هذا المجال من مما يمكن من صون الحقوق و تسهيل العمل، و يُعهد له بالتواصل مع المحاكم و الإدارات و الأفراد، وتمكينهم من المعلومات الضرورية لفض النزاعات، و حقيقة الملكية العقارية للمجال العقاري موضوع الطلب، و يقدم الشكايات من المتحايلين و يتابعها حتى يتم إنزال أشد العقوبات والمتحايلين و المزورين، و من المناسب إعتماد برنامج معلوماتي، ينظم جميع مراحل العمل بهذا المكتب المكلف بالشؤون القانونية.

ثانيا/ وكالة للتحفيظ العقاري:
في الكثير من بلدان العالم التي قطعت أشواطا كبيرة في تنظيم المجال العقاري، تم الفصل بين مهام حافظ الرهون و السندات العقارية و بين إدارة العقارت، و متطلبات العمل و تشعبه و ضخامته، يفرض سلوك نهج الدول المتقدمة في مجال تنظيم الملكية النهائية، و إستحداث وكالة مستقلة للتحفيظ العقاري على المستوى الوطني، تقوم بجميع مراحل التحفيظ ( من إعلانات بخصوص طلبات الملكية النهائية، و إنشاء للسندات و تحويل الملكية و تسجيل الرهون العقارية و رفع الرهن و تجزئة السندات و تقطيعها و تجميعها...)، و لتسهيل عمل وكالة التحفيظ العقاري المقترحة، من المناسب إعتماد هيكلة إدارية تضم الإدارات التالية:
* إدارة أرشيف السندات العقارية؛
* إدارة العمليات على السندات العقارية؛
* إدارة المساحات العقارية؛
*إدارة الأشخاص و اللوازم؛ 
*إدارة المعلوماتية.
و من المناسب إعتماد برنامج معلوماتي مربوط بجميع المكاتب في الداخل و العاصمة، ينظم عمل وكالة التحفيظ العقاري بشكل يُلَبِّي حاجة المواطن في الوقت المناسب و يحفظ إيرادات الدولة و أملاكها.

ثالثا/ محاكم مختصة:
لا شك أن قضايا النزاعات العقارية في المحاكم اليوم، تمثل أكثر من ثلث الملفات المعروضة أمامها، و لا شك أن عدم وجود تنسيق تام بين إدارة العقارات و الجهات القضائية، و عدم وجود قضاة مختصين في المجال العقاري، و ضعف مستوى تنزيل العقوبات الرادعة على المتحايلين و المزورين، ساهم في إرتفاع وتيرة النزاعات بشكل غير مسبوق.
هذا الواقع، لا يمكن علاجه إلا من خلال إستحداث محاكم مختصة بالنزاعات العقارية، قائمة على قضاة مختصين في القانون العقاري، و أن تشدد العقوبات المترتبة على التزوير و التلاعب بالوثائق العقارية، فمستوى الردع مهم في محاربة جميع أشكال التحايل و بيك هيبة الدولة؛

رابعا / مؤتمر وطني سنوي للشؤون العقارية:
إن إستحداث كتابة للدولة أو وزارة منتدبة مكلفة بتسيير الشؤون العقارية، و إنشاء وكالة مستقلة للتحفيظ العقاري، و قيام محاكم مختصة في النزاعات العقارية، و إعتماد برامج معلوماتية تواكب العمل في هذه القطاعات، و توفير الوسائل اللوجستية الضرورية و إختيار كوادر إدارية و فنية وطنية، ضرورة لتلافي وضع المجال العقاري على عموم التراب الوطني، و وضعه على سكة الإصلاح بما يضمن حفظ الأملاك العامة و الخاصة، و يضمن المحافظة على الإيرادات الضخمة الضائعة إلى حد الساعة.
و من أجل أن تقوم كل هيئة من الهيئات المستحدثة بدورها المنوط بها، و تصل للأهداف المرسومة، من المناسب و تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية، العمل على تنظيم مؤتمر وطني سنوي للشؤون العقارية، يضم الهيئات الثلاثة المستحدثة و الفاعلين في المجال ( البنوك ، الموثقين ، ممثلين عن مكاتب مسدي خدمات الشؤون العقارية، ممثلين عن الصحافة و المجتمع المدني...)، يكون مناسبة لعرض نتائج العمل في هذا القطاع و تقييمه و توحيد رؤية جميع المتدخلين الرسميين و الغير رسميين في المجال العقاري، مما يساهم في القضاء على الكثير من أوجه الإختلاف في الفهم بين الشركاء في المجال، و في نهاية المؤتمر يتم إعتماد توصيات تساهم في تطوير القطاع.