ضحايا التنقيب... وفخ التعازي الاستباقية!! د. المختار المهدي

إذا كان المنقب حمود قد خرج سالما من بئر التنقيب عن الذهب بعد أكثر من ثلاثة أيام من تردي البئر المنهارة، فإن مصداقية وجدية الحكومة الموريتانية قد بدت في وضع لا تحسد عليه؛ وذلك بعدما قطعت تدوينة الرئيس الشك باليقين، وسابقت القدر لتحكم بوفاة كل المنقبين  وتعزي ذويهم في مصابهم الجلل ..ويبقى السؤال ماذا لو أعطي بعض الوقت لجهود الإنقاذ، وتفاءل الجميع ببصيص الأمل في العثور على المنقبين أحياء ولم يستسلموا لليأس والقنوط من أول وهلة؟ ويعانوا الألم وتأنيب الضمير فيما بعد من مغبة التقصير وعدم تحمل المسؤولية في إنقاذ أنفس بريئة وعدم التدخل لنجدتها في الوقت المناسب؟؟ ثم السؤال الجوهري هل كان بالإمكان لو جرى تسريع عمليات البحث والانتشال بسرعة أكبر مما جرت عليه أن يعثر على المنقبين أحياء يرزقون وأن لا يتحدث الناس عن نعيهم وهم لا زالوا على قيد الحياة؟؟ وبالتالي هل استعجل الرئيس في إعلانه وفاة المنقبين، أم أوقعه المعنيون في فخ العجلة وهو المعروف بالتوأدة والحلم ؟؟وأوحو إليه -ربما عن حسن نية- بأن دابر المنقبين المختفين في غيابات الجب مقطوع، وأن الأمل في العثور عليهم أحياء معدوم ؟؟؟!!

لا يبدو التعاطي الرسمي مع حادثة المنقبين معزولا عن نسق التعاطي مع حوادث مماثلة فقبل أسابيع قليلة مثل مقتل الموريتانيين بمالي اختبارا آخر لمدى جاهزية الحكومة الموريتانية وقدرتها على مواجهة السبق الإعلامي وقطع الشائعات بالمعلومات الموثقة، فكان التردد والارباك وإطلاق العنان للقيل والقال حتى إذا كادت الحقيقة أن تظهر ماثلة أمام العيان، جاء رد الناطق باسم الحكومة بأن الحكومة الموريتانية تتابع مصير الضحايا بمالي؛ حيث قال ”إن السلطات تتابع وعلى أعلى مستوياتها الأخبار المتعلقة بحادث اختفاء موريتانيين في دولة مالي.

وأضاف الوزير، خلال رده على سؤال يتعلق بهذه الحادثة-  في المؤتمر الصحفي المتوج لاجتماع الحكومة،- أن من يتعرض لأي مواطن موريتاني بسوء سينال جزاءه من العقاب وفق ما يمليه القانون.” مما ولد انطباعا بأن وراء  الأكمة ما وراءها وأن الأخبار القادمة من هناك جدية، وأن أمر مقتل الموريتانيين بمالي له ما يصدقه أو يشهد له، ثم ما هي حتى تنشر التعزية الحكومية، وتؤكد صدق ما تداوله وسائل الإعلام منذ أيام مما أثار عاصفة من الأسئلة عن يتعلق بعضها بمدى فاعلية ونجاعة قطاع الاستخبارات الخارجية لا فيما يتعلق بالاستشراف والتنبؤ بل في الوصول إلى حقائق الأخبار والتأكد من صدق الأنباء التي تهم أمن الوطن وسلامة المواطن.

وبالنظر إلى الواقعتين المأساويتين وما سبقهما من استهدافات متكررة لمنقبين في الشمال الموريتاني تفرق دمهم بين عصابات التهريب وحرب الحدود ..تبدو الحاجة ملحة إلى إعادة النظر في التعاطي الحكومي مع الأحداث الهامة خاصة منها ما يتعلق بالأمن، وإلى استيعاب أفضل ربما من كل القنوات الإعلامية إلى تطبيق آخر لمعادلة السبق الإعلامي وتحري المصداقية فيما يذاع وينشر على الملأ من أخبار ومعلومات !!