موقف المربي الحق من مريديه:
وعلى المربي الحق أن يسلك بمن يربيهم مسلك التوسط، كما أرشد إلى ذلك القرآن والسنة، في الاعتقاد وفي العبادات، وفي الآداب وفي المعاملات، معاملة المرء مع نفسه، ومعاملته مع أسرته، ومعاملته مع جيرانه ومن حوله، ومعاملته مع أمته، ومعاملته مع أعدائه وأعداء أمته.
ويبدأ ذلك المنهج بعلاقة المربي نفسه مع مريديه وتلاميذه، فلا ينبغي له أن يذيب شخصيتهم، ولا يمنعهم حق السؤال أو المناقشة، ناهيك بالاعتراض. كما يروى عن بعض المتصوفة: من قال لشيخه: لم؟ لم يُفلح! أو: المريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل! أو قولهم: من اعترض انطرد، ومن باح راح!
فقد كان الصحابة يناقشون رسولهم الكريم، ويعترضون على بعض تصرفاته، ويقترحون عليه غير ما رآه، وينزل أحيانا على رأيهم تاركا رأيه الأول. كما اعترض عمر على إرساله عليه السلام أبا هريرة يبشّر الناس: أن من قال "لا إله إلا الله" دخل الجنّة. ووجه تحفظه أن إطلاق هذا قد يوهم الناس بالاتكال على ذلك وترك العمل، فكان اقتراح عمر أن يدع الناس يعملون، فقال: خلهم يعملون!
كما أنه لا يدع لهم الحبل على الغارب، أو يجرئهم على التطاول على مقام من يعلمهم، بحيث يجترئون عليه، ويسيئون الأدب معه، فقد علمنا النبي الكريم أن نعرف للكبير حقه، وللعالم قدره، ولكل ذي فضل فضله. كما قال عليه الصلاة والسلام: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويعرف لعالمنا قدره "[رواه أحمد في المسند (22755)، وقال مخرّجوه: صحيح لغيره دون قوله: "ويعرف لعالمنا"، والحاكم في العلم (1/122)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (5443)، عن عبادة بن الصامت]. فكيف إذا كان الكبير عالما، أو كان العالم كبيرا؟ فقد اجتمع له الحقان معا.