العمل من المنزل... تحول يتجاوز زمن الجائحة

حولت جائحة كورونا ( كوفيد 19) العمل من المنزل إلى ظاهرة جماعية، وبات بإمكان الكثيرين الانتقال للعيش في المناطق الريفية. وأكد كتاب بعنوان ” لا للتنقّل اليومي من وإلى مواقع العمل”، هذه الحقيقة في سويسرا .

ويرى مؤلفا الكتاب؛ خبير التخطيط العمراني باول شنيبرغر، وخبير المجتمعات الحضرية جوريس فان فيتسيميل، أن الأثر المحتمل لجائحة كوفيد – 19 يتجسد في الاتجاه نحو السكن بعيدا عن مراكز المدن، والحد من الانتقال اليومي إلى مواقع العمل ذهابا وإيابا. ويرى الخبيران أن الجائحة ستكون بمثابة عامل محفز بل وثوري في مسألة مكان العمل بدرجة تضاهي الآثار التي ترتبت عن اختراع السيارة.

ويقول الخبير السويسري فان فيتسيميل، إن أزمة كورونا أدت لتغير جذري، إذ أصبح العمل من البيت جزءا من الحياة اليومية، والكثير من الناس يعملون حيثما يقيمون، ويضيف في حوار مع موقع “سويس أنفو” إن هذا الخيار كان ممكنا بالفعل من الناحية التكنولوجية البحتة، منذ حوالي عشر سنوات.

ويتوقع المتحدث استنادا للدراسات واستطلاعات الرأي، أن يصبح هذا التحول مستداماً. لأنه من المنتظر أن يظل أغلب الأشخاص يعملون ما بين يومين إلى ثلاثة أيام في الأسبوع من المنزل بسويسرا مثلا. ويجزم أن العودة إلى الحياة العادية، وبالتالي العمل 100% من المكتب، لن تحدث مرة أخرى أبدا.

ويشاطر باول شنيبرغر رأي زميله فيتسيميل، ويعتبر أن الجائحة كانت البرهان العملي على ذلك، قائلا ” لا أحد يمكنه الادعاء بعد اليوم أن العمل من المنزل أمر مستحيل، فحوالي 40% من الوظائف الخدمية يمكن القيام بها من خلال العمل من المنزل”، مؤكدا في الوقت نفسه، أن تمكن الناس بالعمل من المنزل من الاستغناء عن الذهاب والإياب اليومي من وإلى مواقع العمل، قد يمكن من الانتقال للعيش في الريف، وهو ما يطرح السؤال، فهل سيؤدي ذلك لمزيد من التمدد العمراني في بلده سويسرا؟

وأشار شنيبرغر في السياق نفسه، إلى أن المدن شهدت في السنوات العشر الأخيرة نموا متزايدا لمواقع العمل، بينما شهدت المناطق الريفية أو شبه الريفية زيادة سكانية. وهذا المعطى يعني أن الجائحة لم تخلق توجهاجديدا، بل استغلت ذلك التوجّه المتحقق بالفعل في الأعوام السابقة.

ويضيف شنيبرغر، إن ما سبق ينبغي أن يحول ما نسميه بمحل السكن، إلى محل المعيشة، إذا ما أصبح الناس يقضون وقتا أطول في محل سكنهم، مما سيؤدي إلى إنعاش التجارة المحلية المجاورة لمنازلهم. وسوف يقللون من الشراء من المحال الواقعة على طريق العمل.

من جهة أخرى، يؤكد فان فيتسيميل، أن أزمة كوفيد أثبتت أن أسلوب العمل الهجين هو الأكثر إنتاجية، متوقعا أن يسود النظام المختلط الذي يجمع بين العمل من المنزل وبين التواجد في الشركات، وأن يصبح العمل عن بعد فرصة لبعض المناطق من العالم لفتح سوق عمل جديدة، بعد تجاوز الحواجز الجغرافية عبر تكنولوجيا التواصل عن بعد.