كناش الجمعة
ضج هذا الفضاء طيلة الاسبوع الماضي بحكاية المرأة الصالحة الصغرى بنت المسك ونقلوا عنها زعمها بأنها شهدت بدرا وأنها كانت من بين جرحى المسلمين
وكان ذلك كافيا لدى البعض بأن يروا فيها ولية قادرة على خرق ما استقرت عليه نواميس الكون من قواعد مرددين استشهادها بقوله تعالى " وما يعلم جنود ربك إلا هو "
في المقابل طفحت التعليقات سخرية واستنكارا للقصة واصفين تلك المزاعم بأنها هراء واستخفاف بالعقول..
ذاك الحوار بتناقضه واحترابه لم يوقف خيال المجتمع الذي استمر في إنتاج " أكثر المواقف غرابة ..
كنا صغارا و كانت عيوننا تلمع لدى سماعنا قصصا مشابهة ففلان كان يصلي الفجر في جوار البيت والناس في مضاجعهم نائمون .. وفلان كان يذهب خلف بقراته ضحى وريثما يرتعن يبادر لصلاة ركعتين تحت أستار الكعبة ، أما فلان فقد تتلمذ عليه الحجر الأسود ..
وفلان ولد قبل جده بقرون..
وفلان قطب دائرة لا تنزل قطرة غيث إلا بموافقته..
ذاك غيض من فيض والناس في هذا المنتبذ القصي في جدال لا يخبو إلا ليشتعل حول واقعية هذه الحكايات اولا وشرعيتها ثانيا
بالنسبة لي لست على يقين من أن خالتي الكريمة المرأة الفاضلة " الصغرى بنت المسك " قد زعمت أنها شهدت بدرا وقد سمعت ما يفند هذه القصة
مع ذلك فلا أهمية في ميزان الشرع لما يعرف بالشطح الصوفي فمرجعيته الأولى " الحلاج " أقيم عليه حد الردة لأنه نطق بما لا يليق بالذات الإلهية عندما قال " إن ربكم الذي تعبدون تحت قدمي " مبررا كلامه بأنه يقصد الذهب وهو ما تأكد وجوده حسب الرواية المتداولة غير أن ذلك لم يشفع له في ميزان الشرع الذي يعامل الناس بما ظهر من أعمالهم ..
ولا استبعد ان اتباع السيدة وتلامذتها تقولوا عليه ما لم تقل وكثير من صلحاء هذا القطر عانوا الأمرين من تعلق الغوغاء بهم ورفعهم فوق أقدار البشر
والمصلح المجدد باب ولد الشيخ سيديا خير مثال لذلك..
صلاح الناس وورعهم الظاهر لا ينفع غيرهم فالله يقول " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها " اما مكانتهم لدى خالقهم فتلك سرائر لا يعلمها إلا الله وحده
في مناطق كثيرة من هذه البلاد يرتعب الأطفال مساء اليوم 26 من رمضان فليلة القدر بالنسبة لهم تمثل موعدا مع الشياطين فيما تتعالى رائحة الشواء البشري في جو كهنوتي بامتياز هذا مع أن ليلة القدر " هي سلام حتى مطلع الفجر "
وفي أماكن أخرى تسود عادات تلطيخ وجه " النفساء " حماية لها من الشياطين هذا إلى جانب العشرات من التوبوهات والمحرمات بلا دليل من الكتاب ولا السنة ..فلتنظيف اللباس ايامه ولقص الأظافر وحلق الشعر أيضا محظوراتهما..وللسفر ميقاته واللائحة لا حصر لها ..
ولأن ماضي هذه البلاد هو مزيج من حضارات بربرية وزنجية وأخرى عربية قادمة من المشرق فقد تشكل في سمائها قوس قزحي فريد اختلط فيه الشطح الصوفي القادم من الأندلس والمشرق العربي مع معتقدات افريقية وثنية صرفة مع عادات بربرية متأصلة فتشكل وعي شديدة الغرابة يجهد نفسه باستماتة في صهر كل تلك العادات وكل ذاك الخيال في موقف يريده شرعيا وعقليا
لذلك فلا غرابة أن تظل معركة بدر في خيال مريدي مذهب الشطح مستمرة وشهداؤها يسقطون..
.