الاعتدال في الموقف من تراث السلف:
وليس معنى هذا أنّ كل ما قاله إمام من أئمة الدين حق وصواب، فإنما هو مجتهد في الوصول إلى الحق، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وليس علينا – بل ليس لنا – إذا تبيّن خطؤه أن نتبعه. ولهذا قال في "الأصل السادس" بصريح العبارة:
" وكلّ أحد يؤخذ من كلامه ويُترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم. وكل ما جاء عن السلف – رضوان الله عليهم – موافقاً للكتاب والسنة قبلناه، والا فكتاب الله وسنّة رسوله أولى بالاتباع، ولكنا لا نعرض للأشخاص – فيما اختلف فيه – بطعن أو تجريح، ونكلهم إلى نياتهم، وقد أفضوا إلى ما قدموا".
وهذا هو الاعتدال، كما أنه هو الإنصاف الذي لا يستطيع أحد أن يماري فيه، وهو موقف شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه المركز الجليل "رفع الملام عن الأئمة الأعلام".
ما تلون بلون عصره وبيئته لا يلزم العصور الأخرى رعايته:
ولم يقف رائد الحركة الإسلامية عند هذا الحدد، بدل أعلن أن كل الآراء والعلوم التي تلونت بلون عصرها وبيئتها لا تلزمنا نحن دعاة الإسلام في القرن الرابع عشر الهجري، ولنا الحرية أن نجتهد لأنفسنا كما اجتهدوا، وان كنا لا نهمل دراستها والانتفاع بها، فهي ثروة عظيمة بلا شك.
يقول في "رسالة المؤتمر الخامس":
"يعتقد الإخوان المسلمون أنّ أساس التعاليم الإسلامية معينها هو كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، اللذان إن تمسكت بهما الأمة فلن تضل أبداً، وأن كثيًرا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام، وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها، والشعوب التي عاصرتها، ولهذا يجب أن تستقي النُظم الإسلامية التي تُحمل عليها الأمة من هذا المعين الصافي: معين السهولة الأولى، وأن نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح رضوان الله عليهم، وأن نقف عند هذه الحدود الربانية، حتى لا نُقيّد أنفسنا بغير ما قيدنا الله به، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جميعاً".
هذه هي روح التجديد الحق، تجديد الاعتدال لا تجديد الشطح والتطرف.
هذا موقفه من قضية الفقه وقضية الاجتهاد والتقليد، والمذهبية واللامذهبية، وسطاً معتدلاً، لا غلو ولا تقصير.