دراسة عن تأثيرات كوفيد-19 على الصحة لعقود قادمة

يمكن أن يكون لبعض الفيروسات آثار صحية تستمر لعقود، وهو ما يؤدي في النهاية إلى مجموعة من الأمراض. وبدأ علماء الأوبئة في الستينيات من القرن الماضي، دراسة التشخيص طويل الأمد للناجين من الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 بملاحظة شيء غير عادي، حيث اكتشفوا أن الأشخاص الذين ولدوا خلال الفترة بين عامي 1888 و1924 – كانوا رضعا أو في مرحلة الشباب في وقت انتشار الوباء – كانوا أكثر عرضة للإصابة بمرض باركنسون بمرتين أو ثلاث مرات في مرحلة ما من حياتهم مقارنة بالأشخاص الذين ولدوا في فترة مختلفة.

ويحرص العلماء – حسب تقرير لموقع بي بي سي/المستقبل-  الآن على مراقبة ما إذا كان الوباء الحالي سيؤدي أيضا إلى ارتفاع معدل حالات الإصابة بمرض باركنسون خلال العقود القادمة. وفي هذا السياق يقول باتريك بروندين، باحث في مرض باركنسون في معهد “فان أنديل” في غراند رابيدز بولاية ميشيغان الأمريكية: “لا نعرف ما الذي سيحدث، لكننا بحاجة إلى اعتبار أن الأمر قد يصبح كذلك”.

ويضيف بروندين، هناك العديد من الدراسات التي تسلط الضوء على أن الأشخاص الذين تعافوا من فيروس كورونا غالبا ما يعانون من قصور طويل الأمد في الجهاز العصبي المركزي، بما في ذلك فقدان حاستي الشم والتذوق، وضباب الدماغ، والاكتئاب، والقلق. الأرقام مقلقة”.

وبينما يمكن لفيروس كورونا غزو أنسجة المخ، يظل العلماء غير متأكدين مما إذا كان ذلك سيسهم في الإصابة بأمراض التنكس العصبي. وتُعرف فيروسات كورونا عمومًا باسم “فيروسات الضرب والركض”، لأنها تميل إلى التسبب في مرض قصير إلى حد ما، حتى لو أدى ذلك إلى وفاة المريض في بعض الحالات.

وفي المقابل، يمكن لفيروسات الحمض النووي، مثل فيروس إبشتاين بار، أن تبقى في الجسم بشكل دائم وترتبط بشكل أكبر بالأمراض طويلة الأمد. و كانت هناك بعض المؤشرات في الماضي على أن فيروسات كورونا قد تكون لها تداعيات أكثر مما نعتقد.

وفي التسعينيات من القرن الماضي، نشر طبيب الأعصاب الكندي ستانلي فاهن دراسة حددت الأجسام المضادة لفيروسات كورونا التي تسبب نزلات البرد في السائل الدماغي الشوكي لمرضى باركنسون.

وعلى مدار العام الماضي، بدأ علماء مثل بروندين يشعرون بالقلق من ظهور مجموعة صغيرة من دراسات الحالة التي تصف المرضى الذين عانوا مما يسميه الأطباء مرض باركنسون الحاد – تشوهات مثل الرعشة وتيبس العضلات وضعف الكلام – بعد الإصابة بفيروس كورونا.

وتوصلت أبحاث أخرى إلى أن بعض مرضى فيروس كورونا يعانون من اضطرابات في أحد أكثر أنظمة الجسم خطورة، والمعروف باسم “مسار الكينورينين”، الذي يمتد من الدماغ إلى القناة الهضمية، ويُستخدم لإنتاج عدد من الأحماض الأمينية الأساسية اللازمة لصحة الدماغ. لكن عند تعطله، يمكن أن يؤدي إلى تراكم السموم التي يُعتقد أنها تلعب دورا في مرض باركنسون.

لكن أطباء أعصاب آخرون يحذرون من أنه لا يزال من السابق لأوانه تحديد أي صلة بين فيروس كورونا ومرض باركنسون. ويشير أستاذ علم الأعصاب في جامعة تورنتو، ألفونسو فاسانو إلى أن حالات مرض باركنسون الحاد التي جرى وصفها يمكن أن تشمل ببساطة المرضى الذين كانوا بالفعل في المراحل الأولى من المرض، وأدت الإصابة بفيروس كورونا ببساطة إلى تسارع أو “كشف” الأعراض.

ويقول فاسانو :”حتى الآن، نتحدث عن عشرات الحالات، وعادة ما تفتقر إلى المعلومات التفصيلية، صحيح أن ما نسميه داء باركنسون ما بعد التهاب الدماغ يمكن أن يحدث بعد عدوى فيروسية، لكن الأوبئة تختلف عن بعضها بعضا، فالإنفلونزا الإسبانية، على سبيل المثال، نتجت عن فيروس مختلف تماما”.

ويشعر كثيرون أن هناك حاجة للمراقبة المستمرة لأية أعراض شبيهة بمرض باركنسون تظهر لدى الأشخاص الذين أصيبوا سابقا بفيروس كورونا، في حال كشفت السنوات المقبلة عن ارتفاع تدريجي في الحالات.

ولايعد مرض باركنسون مصدر القلق الوحيد. فالخبراء في جميع أنحاء العالم يحاولون معرفة ما إذا كان فيروس كورونا سيحدث موجة خفية من الأمراض الأخرى، المتعلقة بالاضطراب الذي يسببه الفيروس في جهاز المناعة البشري. وإذا حدث ذلك، فسيكون له تداعيات كبيرة على الصحة العامة.