تتواجد الجزائر في وضع لا تحسد عليه بسبب الضغوط الأوروبية من أجل ضخ كميات أكبر من الغاز باتجاه الشمال لتعويض النقص المرتقب من تدفق الغاز الروسي نحو القارة العجوز، بسبب غزو بوتين لأوكرانيا.
ورغم أن قدرات الجزائر لا تكفي لتعويض الغاز الروسي، إلا أن الغرب يريد التقليل ولو جزئياً من اعتماده على الغاز القادم من الشمال.
ويضع الغرب عدة دول من بينها الجزائر على لائحة المصدرين المحتملين، في حال قرر بوتين غلق صنبور الغاز، لا سيما بعد تزايد العقوبات الغربية ضد موسكو.
ووفق مصدر رسمي تحدث معه "عربي بوست" رفض الكشف عن اسمه، فإن الجزائر من المستبعد أن تغامر بعلاقاتها مع موسكو التي تعتبرها حليفاً موثوقاً واستراتيجياً، من أجل بضعة ملايين من الدولارات.
ويزور الجزائر اليوم الإثنين 28 فبراير/شباط 2022، وزير خارجية إيطاليا لويغي دي مايو لإقناعها بضخ مزيد من الغاز نحو أوروبا في ظل الأزمة الروسية الأوروبية.
الارتباك
تبدو الجزائر مرتبكة جداً حيال زيادة تدفق الغاز نحو أوروبا للحد من التأثير الروسي على الطاقة في أوروبا، ويبرز ذلك جلياً في التصريحات المتناقضة لمدير شركة سوناطراك النفطية الحكومية.
وقال توفيق حكار، مدير أكبر شركة طاقوية في الجزائر وإفريقيا في حوار مع صحيفة Liberté الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية إن الجزائر مستعدة لزيادة ضخ الغاز باتجاه القارة الأوروبية، مؤكداً أنها السوق المفضلة للجزائر بالنظر إلى القرب الجغرافي والاستهلاك العالي المربح.
وأكد حكار أن سوناطراك بإمكانها توسيع عملية التوريد نحو البلدان الأوروبية التي لا تورّد لها الغاز عبر الأنابيب، مؤكداً أن هذا الأمر يعتمد فقط على مدى توفر أحجام الفوائض بعد تلبية طلب السوق الوطنية، إلى جانب الإيفاء بالتزامات المؤسسة التعاقدية تجاه شركائها الأجانب.
كما شدد المسؤول الأول على رأس الشركة على أن سوناطراك ستبقى شريكاً ومورداً موثوقاً للغاز للسوق الأوروبية.
وكشف المسؤول الجزائري أن الجزائر تساهم بـ11% من إجمالي واردات الغاز للقارة العجوز.
وعادت الشركة بعد ذلك لتكذب تصريحات المسؤول الجزائري، مؤكدة أن الجريدة الفرنكوفونية حرفتها وأولتها على نحو خاطئ.
وأضافت الشركة في توضيح لها على صفحتها بموقع فيسبوك أن حكار تحدث عن إمكانيات الشركة، ولم يتطرق إلى أي قرار يخص زيادة الضخ باتجاه القارة الأوروبية.
هل الجزائر قادرة؟
تملك الجزائر من القدرات الطاقوية ما يمكنها أن تلعب دوراً مهماً في التقليل من أزمة الغاز المرتقبة في القارة الأوروبية، لكنها بالطبع لن تكون كافية، فمجموع ما تصدره الجزائر من الغاز سنوياً باتجاه أوروبا لا يمثل أكثر من 11% من احتياجاتها.
وتعد الجزائر ثالث أهم مصدر للغاز لأوروبا بعد كل من روسيا والنرويج توالياً.
وتصدر الجزائر لإسبانيا قرابة 30% من احتياجاتها سنوياً وتعد أكبر مورد لها، بينما تورد إلى إيطاليا قرابة 31% من احتياجاتها الطاقوية وتعتبر ثاني المصدرين لها بعد روسيا.
ولا تقارن الجزائر من ناحية الإنتاج والتصدير بروسيا التي تنتج سنويا 600 مليار متر مكعب تصدر منها 240 مليار متر مكعب، في حين تنتج الجزائر 130 مليار متر مكعب سنوياً تصدر منها 40 مليار متر مكعب.
ووفق صحيفة الشروق الجزائرية نقلاً عن قول مسؤول جزائري رفيع بشركة سوناطراك فإن تعويض الغاز الجزائري لنظيره الروسي يعتبر "حلماً" وكلام من لا يفقهون في مجال الطاقة.
وأضاف المسؤول الذي لم يكشف عن هويته أن الغاز ليس كالماء تفتح حنفيته وتغلق، بل هو استثمار وتنقيب وعقود وأموال وحسابات ورهانات.
وشدّد المسؤول ذاته على أن الجزائر لن تسوق المزيد من الغاز إلا في إطار عقود واضحة ومتفق عليها وليس مجرد فتح للأنابيب والضخ فقط.
الضغوط
تضغط دول جنوب أوروبا على الجزائر من أجل إمدادها بالمزيد من الغاز في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية.
وتملك الجزائر حالياً قدرات على إرسال المزيد من إمدادات الغاز للقارة الأوروبية عبر 3 أنابيب أحدها أغلقته شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بسبب الخلافات السياسية مع المغرب.
ووفق مدير شركة سوناطراك فإن الجزائر تملك القدرة على ضخ المزيد من الغاز عبر الأنبوب الرابط بينها وبين إيطاليا إذا ما قررت السلطات العليا في البلاد ذلك.
كما تملك الجزائر القدرة على ضخ المزيد من الغاز خلال الأيام القليلة القادمة عبر أنبوبها الجديد العابر للمتوسط الذي يربطها بإسبانيا، حيث أنهت أشغال محطة الضخ الرابعة لأنبوب "ميدغاز" وهو ما يرفع كميات التدفق.
وتستطيع الجزائر إعادة تشغيل الأنبوب الرابط بينها وبين إسبانيا المار عبر المغرب، الذي لن يمانع ذلك بالنظر إلى الأزمة الطاقوية التي يعاني منها هو الآخر.
وكشفت مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" أن هذا الخيار لن يكون مطروحاً بالنسبة للجزائر حتى لو فكرت في زيادة ضخ الغاز باتجاه أوروبا، وذلك بسبب الخلافات العميقة بين البلدين.
ووفق مصادر مطلعة لـ"عربي بوست" فإن وفداً روسياً رفيعاً سيحل بالجزائر بداية شهر مارس/آذار الداخل ولم يتسنّ لنا معرفة جدول أعماله.
وأضاف المصدر ذاته أن مسؤولين إسباناً سيحلون بالجزائر منتصف الشهر الداخل أيضاً، فيما يتواجد وزير الخارجية الإيطالي حالياً بالجزائر.
عربي بوست