وكذلك كان الشأن في موضوع (الصفات الإلهية) وما ثار فيها من جدل بين العلماء من مؤلين وغير مؤلين، فهو يغض الطرف عن هذا الخلاف، راجعا إلى معين السهولة الأولى، بعيدا عن تكلف التأويل، وإثم التعطيل، يقول في "الأصل العاشر":
ومعرفة الله تبارك وتعالى، وتوحيده، وتنزيهه، أسمى عقائد الإسلام، وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة، وما يليق بذلك من التشابه .. نؤمن بها كما جاءت من غير تأويل ولا تعطيل، ولا نتعرّض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء. ويسعنا
ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يقَوُلوُنَآمَناَّ بهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبنِاَ} [آل عمران:7].
الاعتدال في تقويم التصوْف :
وبمثل هذه الروح المنصفة المعتدلة موقفه من التصوف: فلم يقبله كله بعجره وبجره، وسنيّه وبدعيّه، ولم يرفضه كله بما فيه من صواب وخطأ، وحسن وسوء، بل كان مبدؤه هنا: خذ ما صفا ودع ما كدر. فليس كل ما في التصوف باطلا، وليس كله حقا، وليس كل المتصوفة مبتعدة، وليس كلهم على سنّة، فلا بد من الانتقاء، والاختيار، والاستفادة من تراث القوم، وفيه من الحرارة والتأثير ما ليس في غيرهم، ولكلامهم صولة ليست لكلام من سواهم، وقد سجل رأيه في التصوف بصراحة في كتابه "مذكرات الدعوة والداعية".
ورغم أنه بدأ في أول الأمر على صلة بإحدى الطرق فهو لم يُسلم زمامه إليها، بل أخذ منها وترك، وقال عن نفسه وعن صديقه السكري: كنّا مريدين أحرارا في تفكيرنا، وإن كنّا مخلصين كل الإخلاص – في تقديرنا – للعبادة والذكر وأدب السلوك.
مع أن الطريقة نفسها كانت أبعد من غيرها عن البدع، وكان يعجبه من شيخها شدّته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى للملوك والكبراء، واتباعه للسُّنن ومحاربته للبدع، ولم يكن يصغي كثيرا لما يسمعه من كرامات الشيخ وخوارقه الحسية، فعمله في هداية الخلق، ونشر الحق أعظم من الكرامات في نظره.