ثالثا - الوسطية في ميدان الإفتاء والأحكام ثالثا - الوسطية في ميدان الإفتاء والأحكام:
واذا كان مطلوبا من كل من الداعية والمربي: أن يأخذ الناس بالمنهج الوسط في الدعوة وفي التربية، وينأى بهم عن الغلو والتطرف من ناحية، وعن التفريط والتسيب من ناحية أخرى، فكذلك يطلب من المفتي ورجل الفقه والأحكام: أن يتبع هذا المنهج الوسطيّ إذا أفتى الناس فيما يسألون من أحكام دينهم، في العبادات، أو المعاملات، أو الحلال والحرام. أو علمهم ذلك في دروسه، وان لم يسألوه. أو كان قاضيا يحكم بينهم في قضية من القضايا، أو ألف كتابا في فقه العبادات أو المعاملات أو الفقه المالي أو السياسي أو الإداري.
فلا يكون مع المتشدّدين الذين يميلون إلى التضييق أبدا في كل شيء، حتى لا نكاد نسمع منه – أو نقرأ له – كلمة "حلال" وكأن الأصل هو التحريم، والحلال طارئ، وهو يقدم الأحوط على الأيسر دائما، وهذا ينتهي به في المحصّلة النهائية أو التراكمية إلى أن يصبح الدين مجموعة "أحوطيّات" وكل أحوط فيها يميل بقدر ما إلى التشديد والإثقال على عباد الله المسلمين، فالنتيجة ستصبح آصارا وأغلالا على الناس، وهي التي جاء النبيّ ليضعها عن الناس، بعد أن عاقب الله بها فترة من
الزمن أهل الكتاب، كما قال تعالى عن اليهود: {فبِظلْمٍ مِنَ الذِّينَ هَادوُا حَرَّمْناَ عَلَيْهِمْ طَيبِاَتٍ أحِلتّْ لَهُمْ وَبِصَدِ هِمْ َعَنْ سَبيِلِ اللَّه ِ كَثيِرا }[النساء:160].
فوصف الله رسوله في كتبهم – في التوراة والإنجيل – بأنه: [يأَمُرُهُمْ
باِلْمَعْرُوف وَينَهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيحِلُّ لَهُمُ الطَّيِ باَتِ وَيحَرِمُ عَليْهِمُ الْخَبَائثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأغَلالَ التِّي كَانَتْ عَليْهِمْ} [الأعراف:157].
وكان من الأدعية القرآنية التي علمها الله تعالى للمؤمنين أن يدعوه بها: ما
جاء في خاتمة سورة البقرة: {ربنَّا وَلا تحْمِلْ عَلَيْناَ إِصْرا كَمَا حَمَلْتهَ ُ عَلَى الذِّينَ مِنْ
قَبْلِناَ رَبنَّا وَ لا تحَمِلْناَ مَا لا طَاقةَ لنَا بِهِ} [البقرة:286].