والوسطية هنا هي: التيسير الذي يدفع التعسير، والتبشير الذي يرد التنفير، دون إخلال بالإتقان أو الإحسان الذي يوجبه الله على عباده في كل شيء، ولا تفريط في حدود الله، ولا في أركان العمل وشروطه التي لا يقبله إلا باستيفائها. ففي الصحيح: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء". وفي حديث آخر: "إن الله يحبّ من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه".
فقد قال تعالى: {مَا يرِيد ُ اللَّه لِيَجْعَلَ عَليْكُمْ مِنْ حَرَج ٍ وَلَكِنْ يرِيد ُ لِيطُهِرَكُمْ وَلِيتِمَّ نِعْمَتهَ ُ َعَلَيْكُمْ لَعلَكُّمْ تشَكُرُونَ} [المائدة:6] وقال سبحانه: {يرِيد ُ اللَّه ُ بِكُمُ الْيسُرَ وَلا يرِيد ُ بِكُمُ الْعسُرَ} [البقرة:185] وقال: {وَمَا جَعَلَ عَليْكُمْ فِي الدِينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78].
وهذا ما نص عليه الأئمة الربّانيون، والعلماء الراّسخون في العلم، الذين لا يغلون مع الغالين، ولا يقصّرون مع المقصّرين.
وهو ما اتخذته منهجا لي طوال حياتي العلمية، حتى اتهمني من اتهمني بالتساهل في الدين، أو التهاون فيه. ومعاذ الله أن أتهاون فيما أمر الله به أو ما نهى الله عنه، فأحلّ ما حرّم، أو أحرّم ما أحلّ، أو أسقط ما فرض. ولكني اتبعت المنهج النبوي في التيسير على خلق الله. وقد وجدته عليه الصلاة والسلام أكثر الناس تيسيرا على البشر. فما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، وكان ينكر بشدّة على من شدّد على نفسه، ويقول: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني".