يمثل ملف الحوار السياسي بين القوى المعارضة والنظام الموريتاني، أحد أهم وأبرز الإشكالات المؤجلة في سياق التعاطي بين الطرفين، ورغم ما قطع من خطوات في سبيل إقرار مبدأ الحوار، ووضع بعض آلياته التنظيمية، فإن التأجيل والترقب ما يزال سيد الموقف، زيادة على حجم العقبات التي تبرز بين الحين والآخر، وخصوصا في تحديد جهة الإشراف الرسمية التي ينبغي أن تتولى الإشراف عليه، زيادة على خلافات المعارضة في توزيعة التمثيل ومستوياته، ينضاف إلى ذلك بعد الآجال الذي يترتب تلقائيا على تجاوز العقبتين السابقتين.
موريتانيا ...تاريخ مفعم بالأزمات والحوارات
عاشت موريتانيا منذ استقلالها سلاسل من الحوارات السياسية التي تأتي غالبا لتمهد التقارب بين السلطة والمعارضة، أو بالأحرى انتقال قوة معارضة باتجاه الأغلبية، ومن أبرز هذه الحوارات.
- حوار الطاولة المستديرة سنة 1961: والذي تمخض عنه دمج القوى الحزبية الفاعلة خلال سنوات ما قبل الاستقلال في حزب واحد، هو حزب الشعب، ومكن من دخول ممثلي هذه الأحزاب والقوى السياسية المتعددة إلى الحكومة، وجسد النظام الجديد، وإذا كان هذا الحوار قد جنب البلاد ويلات، صراع القوى السياسية عند لحظة الاستقلال، فإنه انتهى إلى مركزة قوة السلطة ونفوذها بيد الأمين العام لحزب الشعب الرئيس المختار ولد داداه، فاتحا بذلك أزمة سياسية طويلة استمرت حتى منتصف السبعينيات.
- مؤتمر التقريب والحوار مع الكادحين: يمثل مؤتمر التقريب سنة 1974 التجسيد الفعلي لاندماج قطاع واسع من الحركة اليسارية الموريتانية في حزب الشعب، بناء على حوار سياسي استمر عدة أشهر، وعارضه عدد من نشطاء الحركة الذين أسسوا بعد ذلك، جناحها المعارض الذي حمل اسم الحركة الوطنية الديمقراطية.
- الحوار الجزئي مع حزب اتحاد القوى: سنة 2000 والذي انتهى إلى إصلاحات جزئية في المنظومة الانتخابية، من بينه اعتماد النسبية في العاصمة نواكشوط، واعتماد بطاقة التعريف غير القابلة للتزوير، وقد مكن هذا الإجراءات من دخول نسبي للمعارضة إلى قبة البرلمان، وبعض المجالس البلدية.
- اللقاءات التمهيدية سنة 2005: والتي رعاها حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والوحدة بقيادة السياسي أحمد ولد سيدي باب، وقد انتهت دون تقارب فعال بسبب الانقلاب العسكري في 2005
- الأيام التشاورية سنة 2005: والتي انتهت بتعديلات دستورية متعددة، وإنشاء منظومة انتخابية متعددة العناصر، وكللت باستفتاء لإقرار التعديلات الدستورية.
- حوار دكار 2009: والذي مكن من الخروج الظرفي من الأزمة السياسية التي أعقبت الانقلاب العسكري في 2008.
- حوار 2012: وقد نتجت عنه تعديلات دستورية صوت عليها البرلمان الموريتاني، حيث عززت النسبية، ومنحت الأحزاب السياسية ملكية المقعد الانتخابي قاضية بذلك على الترحال السياسي بين الأحزاب، إضافة إلى تجريم العبودية، والاعتراف الدستوري بالحقوق الثقافية للقوميات المشكلة للمجتمع ضمن تعديلات أخرى.
- حوار 2017: بين الأغلبية وتيار المعاهدة الذي يضم أحزاب التحالف الشعبي والوئام والصواب، وانتهى أيضا إلى تعديلات دستورية متعددة، كما قاطعته أحزاب فاعلة من المعارضىة، وخصوصا التكتلات المنضوية تحت لواء المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، وقد تضمن هذا الحوار تعديلات دستورية من بينها تعديل العلم، وإلغاء مجلس الشيوخ، زيادة على إضافة مواد جديدة تحصينية للدستور المعدل.
وإلى جانب هذه الحوارات المشتركة، فقد جربت أغلب القوى السياسية والحركات الآيديولوجية مستويات من التقارب مع الأنظمة المتعاقبة، وكانت السمة البارزة هي أن أي تقارب بين النظام وحركة سياسية معينة، يؤدي إلى صدام أو صراع مع حركة أو تيار آخر.