الحوار المرتقب السياق ومسار التحضير
بدأت المطالبة بالحوار السياسي منذ الأيام الأولى بعد الانتخابات الرئاسية، وجاءت هذه المطالبة في سياقين متكاملين هما:
- ثقة قوى سياسية متعددة في الرئيس الغزواني، وسعيها إلى التقارب معه أكثر، ويمثل هذا التيار بشكل خاص حزبا تكتل القوى الديمقراطية، واتحاد قوى التقدم الذين يتمتع عدد من قادتهما بعلاقة خاصة وتفضيلية مع الرئيس الغزواني.
- التحول السياسي الذي يمثله وصول رئيس جديد إلى السلطة، ومغادرة آخر، خصوصا إذا كان المغادر يحمل سجلا طويلا من الأزمات والصراع مع المعارضة.
وبإعلان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني السير نحو التهدئة السياسية، بدأت المطالبة والحديث الموسع عن الحوار، الذي واجه النظام بالرفض أولا، لأسباب منها
- عدم وجود أزمة سياسية تتطلب حوارا مع المعارضة.
- حرص النظام على التشاور واللقاءات المباشرة بديلا عن حوار جماعي.
ولم يستمر هذا الموقف طويلا، بسبب تعدد مصادر المطالبة بالحوار، زيادة على الإجراءات التي فرضتها أزمة كورونا، والتي مهدت لمستوى من التلاقي بين مختلف القوى السياسية الممثلة للبرلمان، وذلك من أجل تسيير صندوق كورونا، ليتم بعد ذلك الانتقال إلى مرحلة أخرى وهي قبول النظام بحوار اجتماعي، لم يرق هو الآخر للمعارضة، التي جددت مطالبها المحددة بالحوار السياسي، وستكون المرحلة الأخيرة هي القبول بحوار سياسي لا يقصي طرفا ولا يستثني موضوعا.
بين ضعف الحماس، وضعف الجاهزية ..أي مستقبل للحوار
يتبادل طرفا الحوار الاتهامات بشأن المسؤول عن تأخير الحوار، ووفق تعبير الرئيس السابق محمد جميل ولد منصور فإن أزمة التأخير تكمن فعليا في عدم حماس الأغلبية لهذا الحوار، وعدم جاهزية المعارضة له.
وبتعبير آخر فإن الانفتاح السياسي على القوى المعارضة ظل دائما موقع تذمر وحساسية من مختلف قوى الأغلبية التي لا تخفي هي الأخرى تذمرها من ضعف الشراكة، ومحدودية دائرة الاستيعاب لدى نظام ولد الشيخ الغزواني، مما يعني أن التجاوز إلى المعارضة يعني قفزا على القوى الداعمة للرئيس والمشكلة للكتلة الصلبة لنظامه.
ومع دقة هذا الطرح وكثرة من يعبرون عنه، فإن الحكومة وحزب الاتحاد من أجل الجمهورية على حد سواء يعتبرون أن الكرة الآن في مرمى المعارضة، وهي من تؤخر الحوار وفق ما عبر عنه الدكتور محمد عبد الله ولد بينه في حديثه في ندوة نظمها موقع الفكر قبل أيام.
وأمام هذا التدافع تبقى عدم الجاهزية وتضارب الرهانات عائقا أيضا وبقوة أمام المعارضة، ومن أبرز مظاهر عدم الجاهزية:
- البداية الضعيفة للتنسق حول الحوار: حيث صدرت المطالبة بالحوار والسعي إليه من حزبي اتحاد قوى التقدم والتكتل، وغابت عنه أحزاب وازنة مثل تواصل، والتحالف الشعبي التقدمي، والقوى الزنجية، ورغم التحاق تواصل لاحقا بالمطالبة بالحوار إلا أنه ما يزال الصوت الأكثر حدة تجاه النظام بين القوى السياسية المذكورة.
- غياب القوى الزنجية: المعارضة والتي تريد حوارا شرائحيا يمكنها من تحقيق ضمانات دستورية، تؤسس مطالبها في تقاسم السلطة، وفي ترسيخ مطالبها الثقافية المتعددة.
- تضارب الرهانات: حيث يظهر جليا أن الرهانات السياسية مختلفة بالنسبة لكل القوى السياسية المعارضة، فحين يطالب التحالف الشعبي بحوار مباشر مع الحكومة، فلا شك أن سعي الحزب إلى الشراكة المباشرة مع النظام هي الرهان الأساسي بالنسبة له، فيما يبدو رهان حزبي تواصل وتكتل القوى الديمقراطية، وحزب اتحاد قوى التقدم على الملف الانتخابي، ومستويات تعزيز النسبية مما قد يمكن هذه الأحزاب من زيادة رقعتها الانتخابية، وحضورها في المشهد البرلماني والمجالس الجهوية والبلدية، ينضاف إلى ذلك رهان القوى الشرائحية المقاطعة للحوار على الملف العرقي ومطالب الهوية والإشكال اللغوي، باعتباره المدخل الوحيد لضمان الحضور السياسي لهذه القوى، التي تحمل الأنظمة الموريتانية المتعاقبة المسؤولية عما تراه جرائم إنسانية وتصفيات عرقية بحق القومية الزنجية.