تعتبر موريتانيا بلدا غنيا جدا بالموارد الطبيعية المتجددة (الأسماك، الشمس، الرياح، الهيدروجين....) وغير المتجددة (المعادن، الغاز..) كما يمتلك قوة عاملة شابة (2 مليون شخص غالبيتهم العظمي شباب) ويسود المجتمع مستوي كبير جدا من الانسجام والتكافل و التضامن (رأس المال الاجتماعي).
لكن موريتانيا للأسف الشديد وجدت نفسها من ضمن الدول الأكثر فقرا حيث ظلت فقيرة جدا فيما يتعلق ب رأس المال المنتج (البني التحتية العامة... الخ) ولم تحرز أي تقدم في تطوير رأس المال البشري (التعليم والخبرات .... الخ) أو تعزيز رأس المال غير المادي (سيادة القانون،..الخ ) حيث ساد منذ استقلالها تقريبا انتشار مفزع لفقر متعدد الابعاد .
السبب بطبيعة الحال هو عقود من فقدان البوصلة عبر انتهاج نظام معاكس للإنتاج و انتشار سوء التسيير وضعف الحكامة والفشل المتوالي لمختلف السياسات العامة، فهكذا :
أولا : انتهجت موريتانيا منذ الاستقلال نهج يعتمد علي " التضخم السياسي " حيث تم اعتبار التنمية و الاقتصاد وسيلتان لخدمة السياسة المحلية ، وهكذا تم تقاسم مقدرات البلد الاقتصادية و التنموية علي شكل امتيازات من أجل تحقيق أهداف سياسية محلية ثانوية . و هو ما جعل الاقتصاد يشهد انتشار نمط ريعي مغلق يقوم على أساس منح الامتيازات والاستثناءات العقارية والتراخيص والحماية التجارية لفئات معيّنة على أسس اجتماعية وسياسية ضيقة من دون مراعاة اعتبارات المنافسة والكفاءة الاقتصادية.
ثانيا: تم الانزلاق تدريجيا نحو نهج جبائي صارم، يحول الدولة نفسها الى ما يشبه مؤسسة ربحية تحصِّل المكاسب من المواطنين من أجل سد عجز الميزانية، بدلًا من القيام بدورها التقليدي كجهاز رعاية للشعب. (تخفيض العملة مثلا لسد عجر الميزانية رغم ما سببه من زيادة في الأسعار وبالتالي تعزيز للفقر) هذا بالإضافة الي الحاجة الدائمة إلى التمويل عبر مزيد من القروض التي تؤدي إلى ترحيل الثروات عبر خدمة الدين.
ثالثا: اعتماد نهج يرتكز على تشييد المنشآت حيث تم توجيه الاستثمار العمومي الي البني التحية وتم اهمال الاستثمار في رأس المال البشري والإنتاج.
رابعا: الاعتماد علي المعادن و انتشار القطاع غير المصنف بسبب ضعف القدرة علي التنظيم مع اهمال الاقتصاد الريفي وهو ما دفع غالبية سكان الريف لمغادرة مناطق الإنتاج (الزراعي و الرعوي) ليجدو انفسهم جياعا مضطرين لمزاولة اعمال غير مصنفة في المدن لسد رمقهم .
كل ما سبق تسبب في نوع من إضعاف دور الدولة في الحدّ من الفقر و أصبح زمام المبادرة لدي الشركاء (المانحين) من منظمات دولية و جمعيات محلية، و تم التعاطي مع الفقر كـمسألة “قضاء وقدر” أو على الأكثر كفجوة يقتضي سدّها بالمساعدات ، وفصلها عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي مع تعزيز منطق التبرّعات والمساعدات كمنّة لشراء السلم الاجتماعي عوضاً عن ثقافة الحقوق .
إن مكافحة الفقر والجوع في موريتانيا تقتضي مكافحة أسبابه (الحكامة، غلاء الأسعار ، البطالة ، الإنتاج الزراعي...الخ ) وهو ما يتطلب جيلا جديدا من المشاريع. مثلما يتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات مما يضمن ضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيآت السياسية والاقتصادية والإدارية .