أصبحت مصانع السمك تستنزف الثروة السمكية في موريتانيا ، حيث يطحن المصنع الواحد ستة أطنان من الأسماك مقابل طن واحد من دقيق السمك " موكا " للتصدير إلى أوربا ، والدول الأخرى لتسمين الخنازير والمواشي ،وتطحن هذه المصانع جميع عينات الأسماك ،بما فيها أسماك الكوربين المحرم طحنها في هذه المصانع التي من المفروض أن لا تطحن إلا أسماك السردين " ياي بىي " فقط.
وقد اشتهرت تواذيبو، العاصمة الاقتصادية لموريتانيا أنها شبه جزيرة تقع شمال غرب موريتانيا، تتسم باعتدال المناخ معظم أيام السنة ، وكذلك عرفت بموقعها الاستراتيجي القريب من الأسواق الدولية ،ويتجاوز عدد سكانها 120 ألف نسمة، بوتعتمد على نشاد الصيد البحري، وتفريغ خامات الحديد في الميناء المعدني ، إضافة إلى وجود الميناء النفطي الذي يستقبل واردات البلاد من المجروقات ، وكانت توجد به مصفاة أنواذيبو البترولية قبل تفكيكها العام الماضي 2021 ، التي أنشأت في أوائل السبعينيات .
لكنّ لنواذيبو وجهًا آخر حوّل حياة سكّانها إلى حدّ الهجرة من موطنهم الأصلي، نتيجة الكمّيات الهائلة من الروائح الكريهة المنبعثة من عشرات مصانع دقيق السمك، والتي يستمرّ الجدل بخصوصها بسبب تلويث البيئة والإضرار صحيًا بالمواطنين.
وتعود قصة هذه المصانع إلى الأعوام من 2010 إلى 2014، عندما أتاحت السلطات التراخيص لـحوالي42 من مصانع دقيق السمك، الذي يُطلَق عليه في اللهجة المحلية (موكا) لمستثمرين ضمنهم أجانب، وذلك بحجة الرفع من مستوى الاقتصاد المتدني والحد من البطالة المرتفعة.
وفيما تغيب الرقابة الحكومية بالمُطلَق، تواصل مصانع دقيق السمك أنشطتها المخالفة والضارة بالبيئة والسكان، دون مساءلة أو سحب رخصة، أو أي إجراء وقائي تتّخذه السلطات وفق دفتر الشروط التي تحدّد عملها، أو القوانين التي تحظر الضرر بالبيئة وصحة الإنسان.
شركات عملاقة لصناعة دقيق السمك في موريتانيا
ووفقًا لوثائق حصل عليها "العربي"، فإنّ الصين هي أكبر مستثمر في صناعة دقيق السمك، من خلال شركات عملاقة متعدّدة التخصّصات، من أبرزها شركة هونغ دونغ التي ما تزال تثير الجدل بين الموريتانيين بعد توقيعها اتفاقية مع موريتانيا في السابع من يونيو/ حزيران 2010 لمدّة ربع قرن، مع إعفاءات ضريبية وجمركية، والسماح بتشغيل الأجانب، في مقابل استثمار الصين لـ100 مليون دولار في المصنع المذكور، مع توفير 2463 فرصة عمل للموريتانيّين، وهو استثمار مكّن المصنع من تحقيق إيرادات سنوية تقدّر بـ405990 دولارًا أميركيًا.
أما مصنع أومارسي، الثاني والأقدم، فقد حقق مبيعات سنوية تـقدر بـ27.72 مليون دولار، ويحلّ مصنع (آتيفان) الذي تأسس عام 2012 باعتباره ثالث وأهم مصنع بنواذيبو، بعد تحقيق مبيعاتٍ سنويّةٍ وصلت إلى 27.72 مليون دولار،.
ضعف الرقابة رغم "التجاوزات"
تشترط وزارة الصيد في دفاتر الالتزام، على مُلاك المصانع، عدة شروط من بينها عدم تعريض حياة المواطنين لمخاطر الروائح المنبثقة من مصانع دقيق السمك أو تلويث البيئة، إلا أنّ المصانع لم تلتزم بتطبيق الاشتراطات، والقانون البيئي، إذ تقوم بإرسال الشاحنات لتفريغ المخلّفات قرب الأحياء السكنية، فضلًا عن الأدخنة المتصاعدة من المصانع، والتفريغ في البحر عبر الأنابيب.، وتفريغ مخلفات هذه المصانع في البحر يهدد الأسماك والثروة البحرية .
وقد تغاضى المسؤولون في وزارة الصيد عن هذه "التجاوزات" منذ الترخيص ما بين 2010 و2014 لعمل المصانع، وذلك لأسباب يرى الناشط الحقوقي عبد الرحمن ودادي، في حديث إلى "العربي"، أنّ من أبرزها الفساد الإداري، وامتلاك المصانع للمال الوفير، الذي يساعد بالضغط من أجل تجاوز القوانين على حد تعبيره.
وتواصل فريق "العربي" مع المكتب الوطني للتفتيش الصحي بنواذيبو لاستيضاحه حول هذه الاتهامات، غير أنه لم يحصل على ردّ، كما تواصل مع المستشار الإعلامي في الوزارة الذي اكتفى بتفنيد ما رصدناه من تجاوزات للمصانع بحق البيئة والناس، وهو ما أكدته توثيقاتنا من خلال إرسال الشاحنات لتفريغ المخلفات، وعدم تركيب فلاتر وفقًا لدفاتر الشروط.
أمراض لا تفرّق بين أعمار الموريتانيّين
تتسبب روائح دقيق السمك في أمراض، كالربو والالتهابات التنفسية والحساسية في الأنف والعينين والتهابات أكزيما الجلد ،والمعدة والأمعاء وحرقة البلعوم.، ولا تفرّق الأمراض الناتجة عن مخلفات "دقيق السمك" بين أعمار الموريتانيين، لكنها أكثر وأشدّ خطورة عند الأطفال والشيوخ والنساء الحوامل، وكذلك عند المصابين بأمراض مزمنة .
المصدر العربي