قد يبدو بالنظر إلى خريطة التحالفات الدولية، وبالنظر إلى خطوط المصالح العريضة للدول، أن العالم صفين، صفٌّ تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وآخر يجري في فلك روسيا.
ومنطقة الشرق الأوسط هي إحدى أكثر مناطق العالم انقساما وأشدها توترا، لذا فمفهوم الصراع في الشرق الأوسط لايكفي وحده للتعبير، لأنه مفهوم متقاطع مع شتى ميادين الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية...إلخ
والصراع الديني حاضر وبقوة في المنطقة، نظرا لوجود أكثر من ديانة في المنطة على غرار الإسلام والمسيحية واليهودية..، وفي كل ديانة صراعات طائفية ومذهبية، وهي صراعات واختلافات داخلية مثل السنة والشيعة في الإسلام، والبروتستانت والكاثوليك والأرثوذكس في المسيحية...
هذا فضلا صراعات عتيقة محتدمة على الأرض، ومثالها القدس في فلسطين، والجولان في سوريا، وأزمة سيناء في مصر وجزر الإمارات والحدود البحرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل كذلك الحدود البحرية الإيرانية الكويتية، ولايمكن أن نهمل صراع الثقافات بين العرب والفرس، وهنا يصرخ التاريخ بطمس إيران لدولة عربستان بالأهواز قديماً، وقمع النضال والمقاومة العربية فيها آنذاك.
وروسيا قد ورطت الاتفاق النووي بربطه بأزمة أوكرانيا مباشرة، حيث ترهن توقيعها عليه بضمان عدم تأثير العقوبات على العلاقات التجارية والعسكرية بينها وإيران، وأمريكا تعتبر طلبات موسكو "خارجة عن السياق".
هذه النقطة - إلى حد الساعة - هي أكبر عقبة في وجه الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة ٥+١، إلا أن الموقف الإيراني من الحركة الأخيرة قد يقف حائرا بين إيجابية مطالب الروس بالنسة لإيران إذا نظرنا إليه من جانب الحفاظ على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وسلبيته لأنه عقبة يصعب اجتيازها في سبيل إحياء الاتفاق.
ويعني إحياء الاتفاق رفع العقوبات الاقتصادية التي تفرضها أمريكا على إيران منذ سنين، وهذا هو هدف إيران الرئيسي المتوخى من متابعة المفاوضات، لكن رفع العقوبات سيكون رفعاً جزئياً لا كلياً إذا بقى جانبه الروسي قائما.
أما العلاقات الخليجية الأمريكية فليست في أفضل أحوالها، منذ تولي الحزب الديمقراطي قيادة الحكومة الفيدرالية بقيادة بايدن. ويرجع ذلك مبدئيا إلى عدة أسباب سياسية واقتصادية منها:
* إزالة أمريكا لجماعة أنصار الله الحوثي من قائمة الإرهاب، وهي صفعة للسعودية والإمارات التان تقودان قوات التحالف في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران.
* محاولة أمريكا اعتمادَ إيران مصدرا للبترول، بعد رفض دول منظمة أوبك تكثيف إنتاجها من البترول للضغط على روسيا. والحقيقة أنها كانت حركة متوقعة، لأن قبول عرض أمريكا يعني انخفاض سعر البترول، وهذا كابوس أوبك وأوبك +.
* منع الخليج - والإمارات خصوصا - من شراء مقاتلة الـ (أف 35) بسبب ما بات يعرف بـ"فيتو إسرائيل".
* محاولة بايدن لإحياء الاتفاق النووي الذي يترتب عليه رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران (العدو الإقليمي لدول الخليج).
وهذا ماترتب عنه رفض كلٍ من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي للمكالمات الصادرة من بايدن.
وفي الجانب الاقتصادي، قد كشفت بعض التقارير الصحفية عن تخطيط السعودية والصين لتسعير 25٪ من النفط السعودي باليوان الصيني بدل الدولار المهيمن على المعاملات النفطية العالمية، لأن قدر 25٪ من نفط ثاني أكبر دولة من حيث إنتاج النفط، ليس بالقدر البسيط.
وعلى ذكر الصين، لايمكن المرور دون ذكر التحذيرات الأمريكة لبيكين من أي دعم لروسيا، لأن السلاح الاقتصادي في كامل الاستعداد للعمل على دحر الجمهورية الشعبية من قائمة أقوى اقتصادات العالم، وهو كابوس يطار العملاق الشرقي.
ودعم الصين لروسيا ضد سيادة أوكرانيا، قد يُقابله الغرب - والولايات المتحدة خصوصا - بدعم سيادة تايوان على أراضيها، والاعتراف بها كجمهورية مستقلة، وذلك ماسيرتب تواجد قواعد عسكرية أمريكية في الجزيرة.
وباختصار، السعودية تطلب من أمريكا أن تقف ضد عدوها الإيراني، وأمريكا تطلب من السعودية أن تقف ضد عدوها الروسي. فتقربت أمريكا من إيران من أجل مصالحها على حساب السعودية، وتقربت السعودية من الصين من أجل مصالحها على حساب أمريكا.
مما يعني أن أزمة أوكرانيا، في طريقها لإعادة تشكيل خريطة التحالفات الدولية، التي قد تفضي إلى ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب.
محمدسالم جدو