فليس الابتلاء أو الاختيار هنا ليتميز الحسن من السيئ، بل ليتميز الأحسن من الحسن، كأن المنافسة ليست بين السيئ والحسن، بل بين الحسن والأحسن.
والقرآن يقول: (وَاتبِّعوُا أحْسَنَ مَا أنْزِلَ إلِيْكُمْ مِنْ رَبِكُمْ) {الزمر:55}. ويقول: (فبَشِرْ عِباَ دِ الَّذِينَ يَسْتمِعوُنَ الْقَوْلَ فيَتَبِّعوُنَ أحْسَنهَ أوُلئِكَ الّذِينَ هَداَهُمُ اللَّهُ وَأوُلئِكَ هُمْ أوُلوُ الْألَباَبِ) {الزمر:18،17}.
تطلع المسلم إلى معالي الأمور:
ويقتضي هذا أن المسلم الحق لا يرضى بالدون، ولا بالموقف الهُون، ويتطلع أبداً إلى معالي الأمور، ولا يتعلق بسفاسفها. فهو يحبُّ وينشد دائماً أن يتحول من الركود إلى الحركة، والضعف إلى القوة، ومن العجز إلى القدرة، ومن المرض إلى الصحة، ومن الهبوط إلى الصعود، ومن العوج إلى الاستقامة، ومن السيئ إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن، فهذا ما أرشده إليه القرآن. وهذا هو المراد من
التجديد: الانتقال من حالة أدنى إلى حالة أعلى. فالقرآن يدعو إلى ذلك بقوة، ويربّي
الأمة عليه، لأنه كما وصفه منزله سبحانه: (يَهْدِي لِلتِّي هِيَ أقَوَمُ) {الإسراء:9}.
ولذلك أنكر القرآن بشدة على الذين يُصدُّون على ا تباع آبائهم، وابقاء الأمر على ما هو عليه، رافضين كل دعوة جديدة تدعوهم إلى منهج أهدى سبيلاً، وأقوم قيلاً، وأصح دليلاً. ولكنهم يصمون آذانهم، ويغلقون أعينهم، فلا يسمعون ولا يبصرون إلا ما كان عليه الأجداد والآباء، أو السادة والكبراء. قال تعالى منددا بهم:
(وَإِذاَ قيِلَ لَهُمُ اتبِّعوُا مَا أنْزَلَ اللَّهُ قَالوُا بَلْ نتَبَّعُ مَا ألَفيَناَ عَليْهِ آباَءَناَ أوَلَوْ كَانَ آبَاؤهُمْ لا يَعْقِلوُنَ شَيْئا وَلا يَهْتدَوُنَ) {البقرة:170} (وَقَالوُا رَبنَّاَ إنِاَّ أطَعْنَا سَادتَنَاَ وَكُبَرَاءَنَا فأَضَلوُّناَ السَّبيِلا){ الأحزاب:67}.