تطرقنا في المقال السابق لمآلات الحرب في أوكرنيا في ظل وضع جملة من السيناريوهات المستقبلية كان أكثرها ترجيحا ميلاد عالم متعدد الأقطاب، أو استمرارالقطبية الأحادية، وربما تشكل الثنائية القطبية، ومهما تكن نتيجة الحرب ومآلاتها؛ فإن تداعياتها باتت تلقي بظلالها على المنطقة، وتطرح تحديات جديدة خاصة بعد جولة نائب وزير الخارجية الأمريكي التي كشفت عن سعي لمنع وصول الروس إلى شواطئ الأطلسي، وهو ما انعكس بوضوح في الموقف الجديد لإسبانيا من القضية الصحراوية، وكذلك زيادة نشاطات "الأفريكوم" على سواحل الأطلسي تحت غطاء محاربة الصيد الجائر مع تجدد الحديث عن إحياء قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة تعود إلى تفاهمات حقبة الحرب الباردة، وقد تصبح الأوضاع ذات البعد الأمني والجيوسياسي في المنطقة أكثر تعقيدا خاصة في ظل الكشف عن الخطة الأوروبية للتخلي تدريجيا عن الغاز الروسي، وهو مابات يعيد إلى الأذهان الحديث عن النسخة الإفريقية من حرب أنابيب الغاز العابرة للحدود، التي قد تساهم في إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة بل قد يصل الأمر إلى إعادة رسم الحدود البحرية حيث حقول النفط والغاز الكبيرة، إذ تشير جل الدراسات الجيولوجية إلى أن مياه الأطلسي قد تكون تخفي قبالة سواحل الغرب الإفريقي أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم، وحتى الآن تعتبر الاكتشافات التي تمت في حدود 10% فقط من مساحة الحوض الساحلي الموريتاني هي الأهم، إذ تشير المعطيات الأولية إلى احتياطات تصل إلى أكثر من 100 تيرليون قدم مكعب. قضية أمن الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي قد تعجل الحسم في بعض ملفات الأزمات الإقليمية، وقد تخلق سياقا إقليميا جديدا يدفع بموريتانيا إلى إعادة ترتيب الأوراق والموقف من بعض القضايا الإقليمية الساخنة، ويبقى التحدي الأبرز هو الضغوط التي قد تمارس في حالة الاصطفاف الدولي، مما قد يجعل موريتانيا بين خيارين أحلاهما مر، ألا وهما تجارتها الخارجية أو أمنها القومي.
اللعبة الجيوسياسية الكبرى التي خلطت كل الأوراق لن تحمل تحديات أمنية فقط بل وبيئية، خاصة في ظل تنامي الحديث عن الامكانيات النفطية والغازية للحوض الرسوبي الكبير الذي تتقاسمه موريتانيا، والسنغال، وغامبيا، وغينيا بيساو، وغينيا كوناكري (MSGBC)، والذي من المتوقع أن يشهد توسعا كبيرا في إنتاج النفط والغاز بالمناطق العميقة الحاضنة لتنوع بيولوجي فريد من نوعه خاصة قبالة شواطئ موريتانيا حيث أكبر مناطق الشعاب المرجانية التي تعد أكثر الأنظمة البيئية حساسية، إذ تشير التوقعات إلى نمو كبير في حجم صادرات دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من الغاز المسال لتصل إلى حوالي 74مليون طن في أفق 2030 . التوسع في استخراج الغاز من المياه العميقة إذا لم يصاحبه التركيز على التشريعات الصارمة الضابطة قد يحول قاع البحر إلى صحراء قاحلة، فاستخراج الغاز في كل مراحله يؤثر على البيئة من مرحلة الاستكشاف، والإنتاج، وحتى مرحلة إيقاف التشغيل، مما قد يجعل موريتانيا بين مطرقة التصحر وسندان التلوث.
رغم اتساع تأثير الأزمة الأوكرانية وتداعيتاها الأمنية على المنطقة التي باتت ماثلة للعيان، إلا أنها في نفس الوقت تخلق فرصا كبيرة اقتصادية وجيوسياسية لصالح موريتانيا، ويمكنها الاستفادة منها إلى أبعد الحدود من خلال مواصلة لعب الدور المحوري في مجموعة الساحل، الذي قد يلقى ترحيبا ودعما من جانب قوى دولية وازنة، وكذلك السعي إلى ممارسة حقها في مد سيادتها الوطنية على مواردها الطبيعية والحافظ على سلامة بيئتها والاستفادة من عائداتها بشكل أحسن، وذلك عن طريق حصد أكبر قدر ممكن من التنازلات التي ستقدمها شركات الطاقة المقبلة على استغلال حقول الغاز الموريتانية الخالصة، خاصة التنازلات والضمانات في مجال تعزيز وتطوير المحتوى المحلي، وتوطين الخبرات والمهارات في مجال الصناعة الاستخراجية بصورة عامة، واستخراج الغاز بصورة خاصة، والتي ستحتاجها بلادنا في تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر المستديم. أما على المدى المتوسط فأمام موريتانيا فرصة تاريخية لإحداث تحول طاقوي يخلق الظروف المناسبة للتحول الصناعي المنشود، خاصة صناعة الصلب من أجل إنشاء بنية تحيتة محلية، وربط إقليمي ودولي بتكلفة رخيصة تمهيدا لإستغلال الطاقة النظيفة بلا حدود، وموقع جيواستراتيجي مثالي، وتبقى الفرصة الأكبر هي أن الحرب في أوكرانيا وقبلها جائحة كورونا،والتغيرات المناخية كلها عوامل تخلق الظروف الملائمة لإجراء إصلاحات هيكلية غير مدفوعة الفاتورة سياسيا بهدف النهوض بالإنتاج الزراعي، وتحقيق الأمن الغذائي، والحد من التفاوت التنموي المناطقي، فليس هناك حافزا أقوى من شبح المجاعة الذي يخيم على المنطقة، مما بات يعيد إلى الأذهان المخاوف من تكرار سيناريو سنة 1944 الناجم عن تداعيات الحرب العالمية الثانية.
تطرقنا في المقال السابق لمآلات الحرب في أوكرنيا في ظل وضع جملة من السيناريوهات المستقبلية كان أكثرها ترجيحا ميلاد عالم متعدد الأقطاب، أو استمرارالقطبية الأحادية، وربما تشكل الثنائية القطبية، ومهما تكن نتيجة الحرب ومآلاتها؛ فإن تداعياتها باتت تلقي بظلالها على المنطقة، وتطرح تحديات جديدة خاصة بعد جولة نائب وزير الخارجية الأمريكي التي كشفت عن سعي لمنع وصول الروس إلى شواطئ الأطلسي، وهو ما انعكس بوضوح في الموقف الجديد لإسبانيا من القضية الصحراوية، وكذلك زيادة نشاطات "الأفريكوم" على سواحل الأطلسي تحت غطاء محاربة الصيد الجائر مع تجدد الحديث عن إحياء قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة تعود إلى تفاهمات حقبة الحرب الباردة، وقد تصبح الأوضاع ذات البعد الأمني والجيوسياسي في المنطقة أكثر تعقيدا خاصة في ظل الكشف عن الخطة الأوروبية للتخلي تدريجيا عن الغاز الروسي، وهو مابات يعيد إلى الأذهان الحديث عن النسخة الإفريقية من حرب أنابيب الغاز العابرة للحدود، التي قد تساهم في إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية للمنطقة بل قد يصل الأمر إلى إعادة رسم الحدود البحرية حيث حقول النفط والغاز الكبيرة، إذ تشير جل الدراسات الجيولوجية إلى أن مياه الأطلسي قد تكون تخفي قبالة سواحل الغرب الإفريقي أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم، وحتى الآن تعتبر الاكتشافات التي تمت في حدود 10% فقط من مساحة الحوض الساحلي الموريتاني هي الأهم، إذ تشير المعطيات الأولية إلى احتياطات تصل إلى أكثر من 100 تيرليون قدم مكعب. قضية أمن الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي قد تعجل الحسم في بعض ملفات الأزمات الإقليمية، وقد تخلق سياقا إقليميا جديدا يدفع بموريتانيا إلى إعادة ترتيب الأوراق والموقف من بعض القضايا الإقليمية الساخنة، ويبقى التحدي الأبرز هو الضغوط التي قد تمارس في حالة الاصطفاف الدولي، مما قد يجعل موريتانيا بين خيارين أحلاهما مر، ألا وهما تجارتها الخارجية أو أمنها القومي.
اللعبة الجيوسياسية الكبرى التي خلطت كل الأوراق لن تحمل تحديات أمنية فقط بل وبيئية، خاصة في ظل تنامي الحديث عن الامكانيات النفطية والغازية للحوض الرسوبي الكبير الذي تتقاسمه موريتانيا، والسنغال، وغامبيا، وغينيا بيساو، وغينيا كوناكري (MSGBC)، والذي من المتوقع أن يشهد توسعا كبيرا في إنتاج النفط والغاز بالمناطق العميقة الحاضنة لتنوع بيولوجي فريد من نوعه خاصة قبالة شواطئ موريتانيا حيث أكبر مناطق الشعاب المرجانية التي تعد أكثر الأنظمة البيئية حساسية، إذ تشير التوقعات إلى نمو كبير في حجم صادرات دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من الغاز المسال لتصل إلى حوالي 74مليون طن في أفق 2030 . التوسع في استخراج الغاز من المياه العميقة إذا لم يصاحبه التركيز على التشريعات الصارمة الضابطة قد يحول قاع البحر إلى صحراء قاحلة، فاستخراج الغاز في كل مراحله يؤثر على البيئة من مرحلة الاستكشاف، والإنتاج، وحتى مرحلة إيقاف التشغيل، مما قد يجعل موريتانيا بين مطرقة التصحر وسندان التلوث.
رغم اتساع تأثير الأزمة الأوكرانية وتداعيتاها الأمنية على المنطقة التي باتت ماثلة للعيان، إلا أنها في نفس الوقت تخلق فرصا كبيرة اقتصادية وجيوسياسية لصالح موريتانيا، ويمكنها الاستفادة منها إلى أبعد الحدود من خلال مواصلة لعب الدور المحوري في مجموعة الساحل، الذي قد يلقى ترحيبا ودعما من جانب قوى دولية وازنة، وكذلك السعي إلى ممارسة حقها في مد سيادتها الوطنية على مواردها الطبيعية والحافظ على سلامة بيئتها والاستفادة من عائداتها بشكل أحسن، وذلك عن طريق حصد أكبر قدر ممكن من التنازلات التي ستقدمها شركات الطاقة المقبلة على استغلال حقول الغاز الموريتانية الخالصة، خاصة التنازلات والضمانات في مجال تعزيز وتطوير المحتوى المحلي، وتوطين الخبرات والمهارات في مجال الصناعة الاستخراجية بصورة عامة، واستخراج الغاز بصورة خاصة، والتي ستحتاجها بلادنا في تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر المستديم. أما على المدى المتوسط فأمام موريتانيا فرصة تاريخية لإحداث تحول طاقوي يخلق الظروف المناسبة للتحول الصناعي المنشود، خاصة صناعة الصلب من أجل إنشاء بنية تحيتة محلية، وربط إقليمي ودولي بتكلفة رخيصة تمهيدا لإستغلال الطاقة النظيفة بلا حدود، وموقع جيواستراتيجي مثالي، وتبقى الفرصة الأكبر هي أن الحرب في أوكرانيا وقبلها جائحة كورونا،والتغيرات المناخية كلها عوامل تخلق الظروف الملائمة لإجراء إصلاحات هيكلية غير مدفوعة الفاتورة سياسيا بهدف النهوض بالإنتاج الزراعي، وتحقيق الأمن الغذائي، والحد من التفاوت التنموي المناطقي، فليس هناك حافزا أقوى من شبح المجاعة الذي يخيم على المنطقة، مما بات يعيد إلى الأذهان المخاوف من تكرار سيناريو سنة 1944 الناجم عن تداعيات الحرب العالمية الثانية.