فجأة حدث مالم تكن قيادة حزب اتحاد قوى التقدم تتوقعه، وأصبح رئيسه الدكتور محمد ولد مولود ممنوعا – بأمر القضاء – من التصرف في الحزب الذي أعاد مؤتمروه انتخاب ولد مولود لمأمورية جديدة.
وكانت مجموعة من قيادات الحزب المنشقين عنه بقيادة النائب خاديجتو مالك جالو، تقدمت بشكوى للقضاء ضد مؤتمر الحزب المنعقد قبل سنة، وكذا هيئاته المنبثقة عنه، وهو ما استجاب له القضاء في حكم صادر أمس الاثنين.
وقد قاد "التمرد القضائي" ضد المؤتمر كل من لنائب البرلمانية عن الحزب كادياتا مالك جالو، والأعضاء بالحزب: حسن سوماري، وحسن غي، ومحمد إميجن، واشوي بلال، وجبريل بكاي سي"
ينتمي المتخاصمون في حزب اتحاد قوى التقدم إلى الجيل القيادي في الحركة الوطنية الديمقراطية التي تأسست بداية السبعينيات تعبيرا عن مطامح الشباب الموريتاني في الحرية والديمقراطية، متخذين من الإيديولوجيا الاشتراكية إطارا فكريا عميقا وراسخا.
لأكثر من خمسين سنة عاشت الحركة انشقاقات عديدة، وخرجت من رحمها تيارات سياسية متعددة، قبل أن تعبر عن نفسها سياسيا من خلال حزب اتحاد القوى الديمقراطية/ب المنشق عن حزب المعارضة اتحاد القوى الديمقراطية/ عهد جديد.
بعد حل هذا الأخير، أعادت الرفاق بناء حزبهم من جديد ليحمل اسم اتحاد قوى التقدم، وليتولى رئاسته الدكتور محمد ولد مولود القادم من مهام قيادية عميقة في الحركة الوطنية الديمقراطية، فيما تولى الأمانة العامة محمد المصطفى ولد بدر الدين الذي ظل لعقود أحد أهم رموز التيار اليساري المعارض في موريتانيا.
ماذا يعني إلغاء مؤتمر الحزب
يفترض مناوئو الدكتور محمد ولد مولود أنهم حققوا انتصارا قويا ضد ما يرونه "الشطط في استخدام السلطة من بعض قادة الحزب".
وعمليا فإن بطلان أعمال مؤتمر 28-29 أغسطس 2020 يعني وفق هؤلاء" «الهيئات السابقة على الـ 28 أغسطس 2020 هي وحدها التي يمكنها أن تحظى بنوع من الشرعية، على الرغم من انتهاء فترة مأمورياتها؟ وبالتالي لا يحق لأي قائد ولا لأية هيئة منبثقة عن مؤتمر 2020، الذي حكمت العدالة ببطلانه، أن يعبر أو يتصرف بتلك الصفة"
جاء المؤتمر قبل شهرين تقريبا من رحيل القيادي التاريخي في الحزب وقائد معارضته الداخلية محمد المصطفى ولد بدر الدين، لتتولى النائب كادياتا مالك جالو قيادة المراحل اللاحقة من الصراع مع ولد مولود
غضب في صفوف قوى التقدم
أثار قرار محكمة الاستنئاف في نواكشوط غضبا عارما لدى قيادة حزب اتحاد قوى التقدم، ورات في هذا القرار خطرا على العملية الديمقراطية بشكل عام، معتبرة أنه لم يعد أي حزب في مأمن من "لم يعد أي حزب أو مؤسسة في مأمن من مثل تلك المناورات من طرف أفراد أيا تكن دوافعهم"، مؤكدا اطمئنانه أن "القضية لم تنته بعد، وأن المسار القضائي متواصل"
ورأى الحزب في بيان احتجاجي أصدره بعد قرار المحكمة أن " هذا الحكم لا يعيد حقا، ولا يصحح ظلما، إذ إن الشاكين لم يعودوا يعتبرون أنفسهم منتمين للحرب الذي حاولوا تدميره من الداخل وقاطعوه بشكل كامل بعد فشلهم، مع الاستمرار في محاولة النيل منه من الخارج، وفي ظل عجزهم عن تنفيذ مشروعهم بإنشاء حزب آخر"
هكذا تفجر الصراع بين رفاق سميدع
تفاقم الخلاف بين أطراف قوى التقدم منعهم قبل فترة من تنظيم ندوة مشتركة للاحتفاء بالشاب اليساري الذي كان من أبرز أصوات الوعي والحرية في موريتانيا، نجح الخلاف السياسي في تدمير وحدة رمزية طالما حافظ عليها الكادحون منذ وفاة سميدع سنة 1972، وحتى تفجر الصراع قبل سنوات.
وقد عبر الخلاف بين الكتلة الأكثر تماسكا في تاريخ الحركة الوطنية الديمقراطية عن نفسه من خلال عدة مؤشرات من أبرزها
- الموقف من القادمين من الحزب الجمهوري: والذين تدفق عدد منهم لأسباب سياسية واجتماعية إلى حزب اتحاد قوى التقدم، وتسنموا مناصب قيادية في هيئاته، ومن أبرز هؤلاء الوزير السابق والقيادي الناصري محمد الأمين ولد اخليل الذي ينظر إليه رفاق بدر الدين على انه اختطف كثيرا من قرارات ومواقف الحزب وأوراق قوته، فيما ترى قيادة الحزب أن القادمين إليه يمثلون تعبيرا عن وطنيته وتمدده، وأن الانغلاق السياسي وفرض رأي موحد لا ينتمي إلى الديمقراطية، وأن المطالبين به أقلية داخل الهيئات الحزبية
- مقاطعة انتخابات 2013: يرى خصوم ولد مولود أنه اتخذ قرارا بمقاطعة الحزب استجابة لرأي منسقية المعارضة، دون تفويض أو قرار نهائي من اللجنة الدائمة للحزب.
- ترشيحات 2018: للنيابيات، ويرى خصوم ولد مولود أن مقربيه لم يحترموا قرارات القواعد الحزبية التي رشحت المرحوم بدر الدين لقيادة اللائحة الوطنية للحزب، ليبعده أنصار ولد مولود مرشحين مكانه النائب الحالي خليلو ولد الدده.
- ترشح رئيس الحزب سنة 2019: حيث عارض هذا الترشح عدد من المناوئين له، كما استغلوا بعد ذلك النتيجة التي حصل عليها (2.44%) معتبرين أن ضآلتها يؤكد الأزمة السياسية والشعبية التي يعيشها الحزب، حيث اعتبر القيادي المرحوم بدر الدين في تقييمه للنتيجة المذكورة أنها "ثمرة أخطاء متراكمة ارتكبتها قيادة اتحاد قوى التقدم في السنوات الأخيرة، بعض تلك الأخطاء يتعلق بالانحراف على الخط السياسي، والمبادئ، وبعضها يتعلق بالسياسات المتبعة كمقاطعة الانتخابات، خصوصا انتخابات 2013، التي كانت مقاطعة قاتلة، وهناك ما يتعلق بتسيير الحزب نفسه، فلم تكن قيادته ديمقراطية تشاركية، بل طبعها قدر من الفردية"
وإلى جانب هذه الإشكالات دفع مسارات متعددة من الخلافات الشخصية بين القيادات التاريخية للحزب إلى الوصول إلى لحظة الانفجار التي أدت إلى طرد وتعليق عضوية عدد من قيادات الحزب.
ماذا بعد
لا يمكن الجزم بأن جناح كادياتا مالك جالو قد كسب الجولة الأخيرة من معركته، حيث ما يزال أمام الطرف الآخر الانتقال إلى المحكمة العليا، لإلغاء حكم استنئافية نواكشوط أو تجديده، وقبل ذلك من المؤكد أن قيادة ولد مولود ستواصل عملها السياسي وقيادتها للحزب، حتى ولو نجح العدل المنفذ الذي استجلبته كاديتا مالك جالو في إغلاق الحزب ومنع التصرف فيه إلى حين