تواجه موريتانيا هذه السنة - التي يصفها الموريتانيون بالسنة الشهباء - موجة جفاف شديدة هي الأشد في موريتانيا منذ نحو نصف قرن، إذ شهدت مناطق واسعة من البلاد نقصا حادا قي التساقطات المطرية، شملت كل المناطق ، حتى تلك الواقعة جغرافيا ضمن المنطقة الرطبة في الشريط الجنوبي الرطب الضيق : ( يتراوح عرض هذا الشريط ما بين 100 و 150 كيلومترا) ، يمتد من مدينة باسكنو شرقا ، حتى مدينة تكند غربا بمحاذاة المحيط الأطلسي.
تراجع معدلات الأمطار خلال 2022
وقد أدى هذا النقص الحاد في الأمطار خلال موسم الخريف إلى نقص شديد بالمراعي، حتىداخل الشريط الرطب الضيق ، وتقلص المساحات الرعوية، واتساع دائرة التصحر، المتسعة أصلاً بسبب القضاء على الغابات، واختفاء وتلاشي الغطاء النباتي بسبب استمرار الجفاف منذ عشرات السنين ، وزحف الرمال والتصحر،وعملية "الإزاحة الهندسية "المستمرة التي حدثت لخطوط منسوب المطر،رويدا رويدا نحو أقصى الجنوب،فالأمطار التي كانت تتساقط قبل الجفاف مثلا على منطقة أنشيري في ثلاثينيات القرن الماضي، أصبحت تتساقط اليوم هي في أفضل المواسم على منطقة كوركل ، بينما انزاحت معدلات الأمطار في أترارزه في ثلاثينيات القرن المنصرم لتعبر الحدود إلى ساحل العاج .
84% من مساحة موريتانيا متصحرة، والحرائق تهدد المراعي
وليس الجفاف الشديد المهدد الوحيد للمراعي في موريتانيا، بل تشكل حرائق البوادي والأحراش تهديدا كبيرا للمراعي،وتقضي هذه الحرائق عل مساحات رعوية واسعة في البلاد ،حيث تدمر الحرائق البرية بين 50 و200 ألف هكتار سنوياً، من المراعي الطبيعية في البلاد، بحسب تصريحات لوزيرة البيئة السابقة مريم بكاي. (الهكتار يعادل 10 آلاف متر مربع).
فحسب وكالة الأنباء الموريتانية (رسمية)، أتى حريق هائل في 15 أكتوبر2022، في منطقة باسكنو شرقي البلاد، على نحو 600 كيلومتر مربع من المراعي. وقبل ذلك شهدت منطقة المذرذرة، غربي البلاد، حريقا أتى على كيلومترين مربعين من المراعي، كما شب حريق في منطقة أركيز،بالإضافة إلى حرائق في مناطق متفرقة أخرى من البلاد، مثل لبراكنه وكوركل وكيدي ماغه ولعصابه والحوض الغربي وغيرها .
ويلتهم التصحر يوميا مزيداً من المساحات الخضراء في موريتانيا بفعل موجات الجفاف وما ينتج عنها من تلاشي الغطاء النباتي، وزحف الرمال والقطع الجائر لأشجارالغابات، وحرقها لصناعة الفحم الخشبي ، فيما يعرق لدى السكان المحليين ب: "الفورات ".
وتقول وزارة البيئة الموريتانية إن 84% من مساحة البلاد باتت تعاني من التصحر وتلاشي الغطاء النباتي، وأنها ستنفذ خطة تهدف إلى استعادة وزراعة حوالي 30 ألف هكتار من الغابات في أفق 2030.
وتمتلك موريتانيا ثروة اقتصادية من المواشي تقدر طبقا لتقديرات رسمية ب: 27 مليون رأس من المواشي ،غالبيتها من الضأن والماعز، ثم الأبقار والإبل، وتقدر نسبة الزيادة السنوية الطبيعية للمواشي بنسبة 3.5% .
لكنها تعاني من موجات الجفاف المزمنة المستمرة منذ عقود، ونقص المراعي، وانتشار الأمراض في المواشي، وتخلف الخدمات البيطرية،ونقص المياه لسقي المواشي في كثير من مناطق الداخل، ونقص العمال وهجرتهم نحو المدن.
وقال منمو المواشي من مختلف المناطق إن ثروة البلاد الحيوانية مهددة بشكل كبير إن لم تتخذ الحكومة الموريتانية إجراءات مستعجلة حقيقية وشاملة وشفافة، من أجل توفير الأعلاف بأسعار مخفضة.
ويزيد من حدة نقص المراعي، الوضع الأمني في الجارة مالي، التي كان المنمون الموريتانيون، يلجؤون إليها في فترات الجفاف، لكنهم قلقون هذه السنة نظراً إلى الظروف الأمنية، خاصة بعد المجازر الأخيرة التي راح ضحيتها عشرات المنمين الموريتانيين في " ربينة العطاي : وغيرها.
ارتفاع كبير في أسعار الأعلاف
وقد ارتفعت أسعار الأعلاف في السوق بصورة غير مسبوقة حيث وصل سعر القمح إلى 192 ألف أوقية للطن الواحد، كما أرتفعت أسعار قشور الأرز"راباص"،وكذلك أسعار قشور القمح "االنخاله" ،ونفس الشيء أسعار "أعلافل ركل "، سواء المصنعة داخليا، أو المستوردة من دولة مالي
وارتفاع أسعار المواد الغاذائية، وما يسببه ذلك الغلاء، من تدمير القوة الشرائية، وزيادة التضخم ،واتساع الفجوة الغذائية له تأثيرات بالغة الخطورة على جميع سكان موريتانيا ، بما فيهم المنمون،
وقد أدت الحرب المشتعلة حاليا بين روسيا وأوكرانيا إلى ارتفاع قياسي في أسعار المواد الغذائية في العالم، وهو ما انعكس على أسعار السوق الموريتاني، فموريتانيا استوردت في العام الماضي وحده 340 ألف طن من القمح جاء جلها من أوكرانيا.وتفول الأمم المتحدة لللأغذية والزراعة أن موريتانيا تحتاج هذه السنة 580 ألف طن من القمح.
إن ثروة موريتانيا من المواشي تعاني وضعا كارثيا هذه السنة، ومعضلة بنيوية مستفحلة تكاد تجعل من مهنة تنمبة المواشي مهنة مستحيلة على المنمين الصغار والمتوسطين، مما يحتم الشروع في حلول علمية وعملية لتوفير الأعلاف الخضراء بتطوير الزراعة، والقيام بحملات تشجير مليونية للأشجار المحلية والشجيرات، والأشجار المثمرة ، وتكثيف عمليات البذر الجوي في المناطق الرطبة في الشريط الجنوبي، للحفاظ على الغطاء النباتي ،واستعادة ما أمكن من المساحات الرعوية، مع المنع الصارم لقطع الأشجار، أو إزالة الحشائش، أو العبث بالبيئة الطبيعية. للمحافظة على المراعي الطبيعية بصورة شبه دائمة.