يقف الشيخ التيجاني داود جا في باحة منزله الملحق بمسجده، ينتقل بين الحين والآخر بين تلاميذ المحظرة، أو إلى بعض شؤون المسجد، يكسو بعض الشيب الوقور عارضة الشيخ ولحيته الخفيفة.
لقد تولى الرجل خلافه والده الشيخ داود جا، وأصبح إمام ثاني أقدم مسجد في العاصمة نواكشوط، بل وأشهر مساجد حي وسط العاصمة، الذي عرف لاحقا باسم المدارس الحرة.
في بداية السبعينيات ولد الشيخ التيجاني جا، وفي سن الثامنة، وصل إلى محظرة والده الشيخ داود في نواكشوط، وانخرط في محظرة تخرج منها عشرات الحفاظ، وحفلت طيلة ستين سنة بمئات الطلاب، الذين توزعوا بعد ذلك في ميادين الحياة المختلفة.
في سنة 1962 تقدمت مجموعة من سكان الحي بطلب ترخيص لإقامة مسجد، وحصلوا على الترخيص بعد فترة وجيزة، لينطلق الأذان أول مرة منتصف السنة الثانية بعد الاستقلال، وطيلة سنتين ظل المسجد موضع صراع وخلاف بين جماعته على الإمامة، قبل أن تستقر الأمر على تقديم الشيخ داود جا القادم من منطقة الوسط بين الركيز وانتيكان، حيث نقل محظرته وتلاميذه، واستقر منذ العام 1964 إماما وخطيبا ومدرسا في دائرة الكرام المسجدين، وشيخ حضرتها الصوفية التيجانية، حيث كان يعقد كل عصر جلسة لأداء الوظيفة التيجانية رفقة عدد من جيران المسجد وأعضاء الدائرة التيجانية التي حملت الاسم الأكثر شهرة بين مساجد نواكشوط"الكرام المسلمين"
ولد الشيخ جا في منطقة الركيز القديم، قبل أن يدرس القرآن الكريم في محاظر مدينة امبان بولاية البراكنة، ومنها انتقل إلى محاظر كيهيدي التي نهل فيها من معين المعارف الشرعية واللغوية، ونال التقديم في الطريقة التيجانية، ليعود إلى منطقته الأصلية، ويؤسس محظرته التي نقلها سنة 1964 إلى نواكشوط، وظل فيها إمام ومدرسا إلى أن توفي سنة 2021 عن عمر ناهز الثمانين سنة، ليتولى نجله الشيخ أحمد الإمامة والتدريس والخطابة من بعده.
ثلاث ترميمات في ستين سنة.
بدأ مسجد دائرة الكرام المسلمين أو" مسجد لكور" كما يعرف لدى العامة في موريتانيا بناية صغيرة، واستمر على هذا الحال قرابة 20 سنة، قبل أن يعاد ترميمه من جديد سنة وبناءه على نمط جديد خلال سنتتي 1985-1986، وكان البناء الثالث سنة 2015 حيث أعيد بنائه من جديد، وبشكل متقن وبدعم ورعاية من رجال أعمال مرتبطين بالطريقة التيجانية التي يعتبر هذا المسجد من محاضنها الروحية الأصيلة في العاصمة نواكشوط.
جماعة المسجد ...ذكريات جيل التأسيس
مرت على مسجد دائرة الكرام المسلمين أجيال متعددة، أدت الصلوات والأذكار وسطرت أسمائها في الذاكرة الإيمانية لثاني أقدم جامع في العاصمة نواكشوط، ومن هؤلاء الحاج اسماعيل سي، وبابي انجاي الذي يذكره جيران المسجد وجماعته التقليدية بأنه كان من المنفقين الكبار الذين تولوا كثيرا من مصالح المسجد، والحاج مام كان، وصمبا صاديو، ولاجي تراوري، والبشير دونغو، وبكاري جاو، ومحمد انضاو رحمهم الله تعالى وغيرهم.
ويذكر إمام المسجد في حديثه لموقع الفكر أن عددا كبيرا من جماعة المسجد غادر الحي إلى أحياء أخرى، وامتدت المؤسسات والمدارس الحرة لتحتل كثيرا من المنازل التي كانت موطنا لكثير من رواد هذا الجامع طيلة عقود.
من الكرام المسلمين إلى الإمام نافع
أعادت جماعة المسجد في السنوات الأخيرة تغيير اسمه من دائرة الكرام المسلمين إلى جامع الإمام نافع وذلك بطلب من الوزارة الوصية، التي طلبت إطلاق إسماء الصحابة والعلماء الكبار على مساجد العاصمة، ليستقر هذا الاسم الجديد علما على المسجد الذي اشتهر لدى أجيال عديدة من سكان نواكشوط باسم مسجد لكور، أو دائرة الكرام المسلمين