حمل اسم المسجد العتيق طيلة عقود، مع اسمه الخالد ابن عباس، وفي بداية العام 1962 وضع الرئيس المختار ولد داداه، رفقة عدد من الوزراء وأعيان مدينة نواكشوط الجديدة الحجر الأساس للمسجد الجديد، متوسطا أرضا خلاء بين القريتين، لكصر القديم ولكصر الجديد.
لم يبخل مؤسسو المسجد عليه منذ البداية بالمساحة، فمنحوه أرضا هائلة، اقتطع لاحقا نصفها تقريبا ليؤسس عليه معهد ابن عباس مطلع الثمانينيات، وليكون مقرا ومنطلقا لهيئة المحاظر والمساجد التي أسسها رجال أعمال وعلماء موريتانيين، وأبلت بلاء حسنا في خدمة التعليم المحظري وتشييد المساجد وبنائها، ورعاية طلاب العلم، خلافا لمايراه البعض من أنها بؤرة فساد..
تعود فكرة تأسيس المسجد إلى الإداري الراحل يعقوب ولد أبو مدين الذي تحرك بسرعة لإقناع الرئيس المختار ولد داداه بضرورة بناء جامع كبير في العاصمة، ثم انتقل بعد ذلك بسرعة ليحرك عملية جمع التبرعات للمسجد العتيق.
تولى يعقوب مهمة أخرى بعد ذلك، وهي الحصول على قطع أرضية لصالح العلماء الذين بدأوا يتوافدون إلى العاصمة نواكشوط منذ منتصف الستينيات بعد أن أخذ الجفاف يقتات من حياة الريف الموريتاني.
ابن عباس .. عقدان من الجمعة من إلى الجمعة
استقرت مهمة جامع ابن عباس طيلة عقدين على أداء صلاة الجمعة والعيدين لا أكثر قبل أن يغلق بعد ذلك، حيث كانت أرضه لفترة طويلة خلاء، قبل أن تحاط بمؤسسات رسمية.
وقد كان الشيخ بداه ولد البوصيري هو إمام الجمعة في هذا الجامع الذي تعاقب على الصلاة فيه مختلف رؤساء موريتانيا، كما صلي فيه أيضا على جنائز عدد منهم، وبالخصوص الرئيس المختار ولد داداه، الرئيس المصطفى ولد محمد السالك، الرئيس محمد محمود ولد أحمد لولي، الرئيس اعل ولد محمد فال، الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله رحمهم الله تعالى.
ومع تأسيس جامع المدينة المنورة المعروف بالمسجد السعودي سنة 1984 حولت الجمعة إلى هذا الجامع الجديد، واستعاد جامع ابن عباس أداء الصلوات الخمس بالإضافة إلى صلاة العيد في صبغتها الرسمية، حيث كان يؤمها الشيخ بداه ولد البوصيري، ويحضرها الرئيس وأعضاء الحكومة وكبار المسؤولين.
مستقر معهد ابن عباس
تأسس لمسجد ابن عباس دور علمي كبير منذ اقتطاع جزء كبير من أرضه، لتقام عليه مباني معهد ابن عباس الذي تأسس سنة 1987، ليتحول إلى كلية لعلوم الشريعة تمنح طلابها شهادة الليصانص في الشريعة الإسلامية كل أربع سنوات.
ومنذ تلك الفترة تحول المسجد إلى محطة لمختلف الأنشطة العلمية والدعوية التي حفلت فترة العقود الثلاثة المنصرمة منذ منتصف الثمانينيات إلى اليوم.
أئمة وخطباء ... صوت العلم على مسامع الحكام.
هز الشيخ بداه ولد البوصيري منبر جامع ابن عباس طيلة عقود، حيث كان إمام جمعته وأعياده، وكان الشيخ بداه ينوب في بعض الأحيان تلميذه العلامة الشيخ محمد الأمين ولد أميو رحمه الله تعالى، قبل أن تستقر إمامة الجامع للشيخ محمد الأمين ولد عبد الوهاب إماما للخمس منذ العام 1984، قبل أن يختار له منتصف العام 1986 الإمام والداعية حدمين ولد السالك ولد اعل إمام جمعة وخطيبا، وهي المهمة التي ما زال يواصلها منذ تلك الفترة، وجعلت منه أحد أهم خطباء العاصمة نواكشوط.
وقد تعرض ولد السالك لتوقيف عن الخطابة لمدة أشهر خلال مأمورية الوزير أحمد ولد داود، وذلك بعد أن انتقد بعض مظاهر الفساد في وزارة الشؤون الإسلامية حسب البعض.
أما على صعيد المؤذنين فقد تعاقب عليه مؤذنان رسميان هما سيدي ولد محمد فال ولد هدال من تأسيسه سنة 1962 إلى سنة 1984، ليتولى الأذان بعده اخليهن ولد زيني الذي ظل مؤذن الجامع إلى حين وفاته سنة 2003، ليخلو المسجد بعد ذلك من مؤذن رسمي.
ابن عباس ذاكرة الأحياء ووداع الراحلين
ما زال جامع ابن عباس بمنارته الفارعة، وقبابه المتكورة، ولونه الأبيض البراق الناصع، أهم معلم خالد من معالم العاصمة نواكشوط التي طالها كثير من التغيير والهدم وإعادة البناء.
وقد تحول جامع ابن عباس بشكل خاص إلى ساحة للصلاة على جنائز الأعلام والمشهورين، فقد شهد على سبيل على المثال وبجمهور غير مسبوق الصلاة إمامه الجليل الشيخ بداه ولد البوصيري، إضافة إلى عدد من رؤساء البلاد ومن الشخصيات الوطنية المشهورة.