كيف نفهم الإسلام (24) المرأة والإسلام (1)/ محمدّو بن البار

محمدّو بن البار

كيف نفهم الإسلام (24) المرأة والإسلام (1)

أول ما سنقول وكنت قد قلته ونؤكده الآن أن الكتابة في كل ما يتعلق بالإسلام موجهة للمسلمين خاصة.

فغير المسلمين لا يسمعون الحقيقة إلا في الآخرة كما قال تعالي : {{أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين}}.

وعليه فأقول لكل المسلمين أن عليهم أن يعترفوا أن هذا الجنس من المسلمين وهو جنس الإناث خلقه الله من  غير استشارة أي أحد، وكونه في بطن أمه تكوينا يختلف في بعضه عن تكوين أخيها الرجل لمستقبل وحكمة لحياتهما يعلمها الله وحده يقول تعالي: {{هو أعلم بكم إذا أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم }} ويقول تعالي: {{خلقكم من نفس واحدة ثم خلق منها زوجها}} إلي قوله :{{يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث}} إلي آخر الآيات الكثيرة.

وبما أن هذا الخلق حتى تمامه لم يستطع أي إنسان التدخل فيه وكذلك بعد انتهائه من الدنيا لا يستطيع أي إنسان أن يتدخل في مصيره فيما بعد الموت، إذا حياته فيما بين ذلك علي الإنسان أن يصورها فقط كما قال عنها المولي عز وجل في القرآن من حياة الأنثى كأم وكابنة وكزوج.

فكل هذه الصفات هي خاصة بها وحدها دون الرجل، وأمرت فيها بخصوصية خاصة بها وأمرت في القرآن بالتزامات نظرا لهذه الخصوصية، فإذا قامت بها فستنال عليها جزاءها الأخروي من الله، وإن خالفتها أو قصرت فيها فستتعرض للمساءلة من الله خاصة عن ذلك.

أما غير هذه الأوصاف الخاصة بها فقد شملها الله مع الرجل في خطابه لهما معا وفي جزائه لهما بالامتثال والاجتناب في آيات موحدة الألفاظ لا تختلف إلا في اللفظ العربي المميز للذكر من الأنثي وتارة يكون خطابهما بلفظ واحد في اسم الموصول واسم الإشارة اللذان لا يفصلان الخطاب الموجه للعاقل في اللفظ الواحد.

وذلك مثل نوع عموم العمل وعموم التملك وعموم التصرف في النفس واستطيع أن أقول في عموم الحياة الدنيوية كلها إلا باستثناءات محصورة وتارة يكون مع هذه الاستثناءات شروط لصالحها لا بد من توفرها.

وسنفصل ذلك بإذن الله بذكر النصوص المقدسة في هذا الشأن وهي نصوص الآيات ونص الحديث الصحيح، أما ما سوي ذلك من العادات والتقاليد المخلوقة من الزمان والمكان علي غير النصوص المقدسة فهي بالنسبة لي كما قال الله تعالي : {{وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالي عما يصفون}}، بمعني أنها غير ملزمة إلا لمن اخترقها إذا كانت تخالف النصوص.

فكون الأنثي بنتا أوجب الله علي أبيها نفقتها حتى تتزوج لأول مرة ويدخل بها الرجل وأوجب علي أمها حضانتها كذلك، وبعد بلوغها أوجب الله عليها طاعة أبويها والنفقة عليهما إذا كانت هي غنية والأبوان أو أحدهما فقير، وهنا لا تدخل في هذا الوجوب لأي إنسان.

أما كونها زوجة فأوجب الله عليها طاعة زوجها إذا دعاها إلي فراش الزوجية، وهنا في الحديث الصحيح إذا امتنعت وغضب الزوج عليها في هذه الجزئية من الحياة لأنها هي مقصد الزواج يبيت الله غضبانا عليها إلي آخر معني الحديث، فإن الله يخاطب الرجل بقوله: {{نساؤكم حرث لكم فاتوا حرثكم أني شئتم}} إلا إذا حصل موجب تقييد هذا الإذن بطهرها من خاصيتها شبه المرضية لخوف أذي الحيض.

أما المعاملات الأخرى فيقول تعالي : {{ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}} أي درجة وجوب الإنفاق عليها لأنها قد تتعرض لضعف لا تستطيع هي النفقة فيه علي نفسها وسببه مشترك بينهما وهو قرة العين المتولدة من هذه العلاقة التي يستوي الأب والأم فيها من حيث الأبوة والأمومة.

هذه العلاقة التي لا بد منها لاستمرار الحياة البشرية لم يحدد المولي عز وجل لأي من الذكر والأنثي عمرا لبدايتها من بداية ولادتيهما يجوز لوكيليهما أن يعقدا بينهما هذه العلاقة المباحة، لأن إيجادها فيما بعد غير مضمون فإذا لم تعقد هذه العلاقة بين من تراضوا عليها سواء كان بنفسيهما أو وكيليهما في أي سنة من عمر الإنسان – فلا تستطيع أي منظمة أو دولة أن تضمن تحقيق مثل هذا العقد للراغب فيه فيما بعد، وأكثر ما يتأثر بذلك هي الأنثي التي هي محل الإيجاب فقط، والإيجاب لا يكون إلا بعد الطلب، وهذا الطلب غير مضمون ممن يرتضي للزواج.

أما قضية إكراه البنت البكر علي الزواج ممن لا ترضاه، فالإسلام ربطه بالبكر خاصة وليست كل أنثي.

ولكن هناك قاعدة عامة أسجلها في هذا الموضوع وهو أن الشريعة الإسلامية جعلت وكيلين لكل من يحتاجهما بالترتيب في شأن المصلحة : الأول هو الوكيل المباشر الأب أو من أوصي، والثاني هو الشرع بمعني السلطة القائمة مقام الخليفة عن الله لتطبيق أحكامه وسلطته فوق سلطة كل وكيل آخر.

فالوكيل الأول غير مطلق الحرية إلا في المرضي به أو اتفق الجميع أنه هو المصلحة، ولا يتصرف هذا الوكيل إلا في المصلحة فإذا كانت غير مرئية واضحة للجميع فيتدخل الوكيل الثاني وهو الشرع  ويتزع الوكالة من الأول لأن الشريعة هي وكيلة للجميع ولا تفوضها لأي كان إلا إذا اتفق أن التصرف فيها تصرف مصلحة.

أولا:  لأن الله هو ولي كل مؤمن يقول تعالي : {{الله ولي الذين آمنوا }} إلي آخر الآية، وهذه الولاية خلق لها آدم ليكون خليفة فيما يتعلق بالحكم بالحق وتنفيذ هذا الحكم يقول تعالي لملائكته عند خلق آدم :{{إني جاعل في الأرض خليفة}}، ويقول لداوود :{{يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق}} ويقول للنبي صلي الله عليه وسلم :{{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما}}.

ولذا فالمرأتان الللتان أجبرهما أبواهما علي الزواج وامتنعتا عن ذلك الزواج فإحداهما قالت أنها تكرهها شخصيا لدمامته فأمرها الرسول صلي الله عليه وسلم أن ترد له المهر. الحديث الصحيح المعروف.

والأخرى ذكرت للرسول صلي الله عليه وسلم أن أبها زوجها من ابن عمه ليرفع بذلك شأنه، وعندما قبل النبي صلي الله عيه وسلم حجتها تراجعت عن رفض ما فعل فيها أبوها وقالت أنها كانت تريد بذلك أن تفهم النساء ألا جبر عليهن.

وكل جواز الجبر المذكور في الفقه سببه المصلحة إذا رفضها السفيه الذي لا ينظر إلي مصلحته.

وإلي المقال الموالي بإذن الله.