الفقه في الكون وفي الدين:
والفقه هنا كما يدل عليه القرآن والسنة فقهان: فقه في الكون، وفقه في الدين، فالأول: يعني الفهم عن الله فيما خلق، والثاني: يعني الفهم عن الله فيما شرع.
الفقه في الكون يراد به: الفقه لآيات الله في الأنفس والآفاق، ولسننه التي لا تتبدل في الكون والإنسان، كما يدل على ذلك سياق الآيات الكريمة.
والفقه في الدين هنا يعني المعرفة الواعية التي نحصل عليها بعد دراستنا المتفحّصة للإسلام من ينابيعه الصافية، ومن مصادره الربّانية، بحيث يُفهم فهماً سليماً، خالصاً من الشوائب، بعيداً عن غُلوّ المتطرفين، وتقصير المُضيّعين، مسترشدين بهدى الجيل الأول الذين كانوا أفهم الناس لمقاصد الإسلام، وأعرفهم بكليّاته، وأحرصهم على التزامه والعمل به .. غير غافلين عما تميز به الإسلام من الشمول والاعتدال والتيسير، مفرقين بين الكليات والجزئيات، وبين الأصول والفروع من الأحكام، مُميّزين بين ما شأنه الثبات والخلود، وما شأنه المرونة والتغيُّر، مُفرّقين بين مراتب الأعمال ودرجاتها في ميزان الشرع، حسنات كانت أو سيئات، فليست الأركان كبقية الفرائض، وليست الفرائض كالواجبات، ولا الواجبات كالسُّنن الرواتب، ولا الرواتب كالمستحبات.
ومن ناحية أخرى: ليس الكفر كالمعاصي وإن كانت كبائر، وليست كبائر المحرمات كصغائرها، وليست الصغائر المتفق عليها كالمشتبهات المختلف فيها، وليست المحرمات كالمكروهات، ولا المكدروه تحريماً كالمكروه تنزيهاً، ولا المكروهات نزيهاً كخلاف الأولى، ولكلّ عمل مرتبته، ولكلّ مرتبة حكمُها.