ربما سمعتم من قبل عناوين كتب أو محاضرات أو مقالات من قبيل : كيف تصبح مليونيرا
في شهر؟ أو كيف تتعلم الانجليزية في سبعة أيام؟ مثل هذه العناوين المغرية قد لا تقدم لك شيئا مفيدا، ولكنها قد تخدعك فتغريك بقراءة ما تحت مثل هذه العناوين من كلام تافه.
يستحق من يخدع القراء والمتابعين بمثل هذه العناوين التافهة كل أشكال النقد، ولكن، وهذا ما يجب أن يُقال بصوت عال، هو أن القراء والمتابعين يستحقون هم أيضا النقد، وذلك لأنه لم يعد يجذبهم للقراءة والمتابعة إلا العناوين التافهة والكلام البذيء والساقط.
إننا في عالم اليوم نعيش منذ فترة عصر التفاهة، وقد جاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتزيد من حجم التفاهة، ولتعطي للغوغاء ونجوم التفاهة قدرة كبيرة على التأثير السلبي في الرأي العام، وفي المجتمع.
وإذا ما تحدثنا عن بلدنا بشكل خاص، فيمكنكم أن تلاحظوا بأن أغلب "قادة" النضال السياسي والحقوقي و"مشاهير" الإعلام الجديد الذين ظهروا في السنوات الأخيرة قد جمعت بينهم بعض القواسم المشتركة لعل من أهمها:
ـ بذاءة الخطاب واللجوء في أغلب الأحيان إلى السب والشتم وتخوين الجميع؛
ـ الإساءة، والمبالغة في الإساءة، للرموز الوطنية وللمقدسات الدينية، وتتفيه أي مرجعية أو أي قدوة مهما كانت طبيعة تلك القدوة؛
ـ غياب أي أفكار أو مقترحات أو أي مشروع نضالي أو سياسي أو حقوقي ناضج، والاكتفاء فقط بمدح النفس وذم الآخر؛
ـ غياب أي جهد مبذول على أرض الواقع لصالح الوطن أو المواطن.
إن العمل بهذه النقاط التي قدمناها على أنها قواسم مشتركة ل"نجوم" الحقوق والسياسية والإعلام في أيامنا هذه، يكفي لأن يجعل من أي شخص مغمور مناضلا يتبعه الكثير من الغوغاء، حتى وإن كان ذلك الشخص لم يسجن يوما واحدا في حياته، ولم يشارك طيلة عمره في وقفة احتجاجية واحدة، ولم يعرف عنه أنه أنتج فكرة أو قدم للمجتمع مقترحا مفيدا واحدا!!
إننا نعيش في زمن غريب يمكن فيه لمن لم يسجن يوما واحدا ولم يشارك في وقفة احتجاجية واحدة ولم يقدم في حياته فكرة مفيدة لصالح الوطن، يمكن لشخص بهذه المواصفات أن يقدم نفسه وتقدمه الغوغاء على أنه مناضلا، وذلك في وقت يتم فيه تصنيف من قارعوا الدكتاتوريات وسجنوا أكثر من مرة على أنهم مجرد شلة من الخونة والفاسدين!
إننا نعيش ـ بالفعل ـ أزمة قيم، بل نعيش انقلابا في القيم، زادت مواقع التواصل الاجتماعي من حدته ومن خطورته، ومما يعمق من هذه الأزمة هروب النخب الجادة عن ساحة المواجهة واكتفائها بالتفرج في كثير من الأحيان.
إن الثمن الذي ستدفعه النخب الجادة مقابل انسحابها من معركة الإصلاح سيكون المزيد من سيطرة الغوغاء ونجوم التفاهة على المشهد السياسي والحقوقي والإعلامي، ولا تسألونني ــ يرحمكم الله ـ عن مصير بلد احتلت فيه نجوم التفاهة وجمهور الغوغاء واجهة العمل السياسي والإعلامي والحقوقي.