بعيد طلوع فجر السابع من مايو سنة 2009؛ توفي الإمام بداه بن البوصيري عن عمر ناهز الــ 90 عاما.
إمام نواكشوط الأول خرج منها للمرة الأخيرة مشيعا من قبل الآلاف بعد زهاء نصف قرن كان فيها الإمام المعلِّم والمرشد الناصح والعلّامة المجدِّد، في أدوار عدَّةٍ لعبها بجدارة وتميّز بها مخلِّفا ذكرا وذكرى لا تزال حيَّة ومحلَّ إجماع من الجميع الذين نهلوا من علمه واستفادوا من نصحه وحُظوا بعطفه ووقوفه إلى جانبهم.
لم يكن رجلا عاديا، فرغم نشئته في بيئة علم وتصوف؛ إلا أنَّ ذكاءه الوقّاد، الذي استوعب به في سنيه الأولى ما كان لدى حيِّه ومحطيه من علم، قاده إلى جمع علوم كانت أشتاتا في القطر الشنقيطي من قرآن وتفسير وفقه وأصول ولغة ومنطق مضيفا إليها علوما أخرى انقادت له بالمطالعة الواسعة في مكتبة كبيرة جمعها بشق الأنفس واستمر في توسيعها طوال حياته. هذا علاوة على تربية إيمانية جمع فيها بين طريقتي القادرية والشاذلية وجاهد فيها نفسه حق الجهاد.
لم تكن تلك الشخصية متعددة الأبعاد على مستوى حياة البادية والترحال فتاقت نفس العلّامة العصامي إلى الاستقرار؛ فاستقر بنواكشوط قبيل الاستقلال وأسّس مسجدها الأول وصلّى بها الجمعة للمرّة الأولى وشكّل المرجعية العلمية والدينية لمجتمع نواكشوط "قمّة وقاعدة" خلال طور التأسيس والسنوات التي تلته.
فكانت حلقته مائدة علمية مفتوحة يجد عليها جميع المرتادين حاجتهم من العلم والتربية، وكان بيته ومسجده ملجأ ذوي الحاجات وأصحاب المظالم وكان منبره بوصلة توجيه وإرشاد ونصح تواكب تطورات ونوازل المجتمع "النواكشوطي" والموريتاني بشكل عام. وكان قلمه سيَّالا لفك المعضلات الواقعية وتحقيق مناط المستجدات.