كتب د. يربان الحسين مايلي:
لم يعد يخفى على أحد تسابق البنوك المركزية العالمية على شراء الذهب منذ تفشي جائحة كورونا، حيث ذكر تقرير لمجلس الذهب العالمى أن البنوك المركزية العالمية خلال 2019 اشترت ذهباً بأكبر قيمة لها خلال 50 سنة الماضية.
اليوم بات بريق الذهب يزداد توهجا ولمعانا مع دخول عالم متعدد الأقطاب مرحلة الخروج من عنق الزجاجة، وما صحابها من تراجع كبير في الثقة العالمية في الدولار خاصة بعد استيلاء الولايات المتحدة على أموال أفغانستان المجمدة، وتجميد حوالي 300 مليار دولار من احتياطيات روسيا بل وصل الأمر إلى أن الاتحاد الأوروبي بدأ يدرس استغلال تلك الأموال لصالح أوكرانيا. وتعمل البنوك المركزية العالمية، وخاصة الروسية، والصينية، والتركية، والفرنسية... على تخزين أكبر كميات ممكنة من الذهب تحسبا لأمر ما نراه قريبا أو على الأقل باعتباره أحد الأصول الاحتياطية الآمنة أثناء الأزمات التي نحن أمام أربعة مهنا الأكثر تأثيرا على مسيرة تاريخ البشرية ( الوباء المجاعة حرب طرف فيها دولة عظمى الثورة الرقمية ).
كل هذا يأتي في ظل توقعات الجهات الرسمية أن يصل حجم إنتاج التعدين الأهلي للذهب إلى 36 طنا من الذهب سنويا في أفق 2023 مع حديثها عن أن 20% فقط من الذهب الأهلي هي الكمية التي تعرف طريقها إلى البنك المركزي الموريتاني، وحالات التهريب التي كان آخرها إعلان سلطات مالي المجاورة عن مصادرة حوالي 37 كلغ من الذهب الخالص قادمة من موريتانيا ليست سوى غيض من فيض.
كما يأتي في ظل التوسع في فتح أماكن جديدة أمام المنقبين بما فيها المناطق الرعوية والزراعية في ظل غياب استراتيجة وطنية واضحة المعالم تستهدف إدخال النشاط في الدورة الاقتصادية الوطنية عن طريق إضفاء المزيد من الشرعية عليه، وجعله أكثر تنظيما، وتكاملا مع الأنشطة الأخرى الاقتصادية خاصة الزراعة والتنمية الحيوانية، وكذلك استغلاله بطرق أقل تلويثا للبيئة، وخطرا على الصحة العامة ، وأكثر سلامة، هذا بالإضافة إلى كبح جماح النزعة الإستعمارية للشركات الأجنبية التي تسنزف هذا المورد الاستراتيجي الهام دون فائدة مهمة للوطن والمواطن.
الذهب يعود للأضواء بقوة خاصة بعد ربط الروبل الروسي به، وقبل ذلك إعلان الصين عن سياسية شراء النفط باليوان المقوم بالذهب ،وغير ذلك من الخطوات التي بدون شك سيكون لها ما بعدها، وباتت تفرض علينا أكثر من أي وقت مضى تغيير شروط استغلال هذا المور الاستراتيجي الهام.